تجربة رئيسة بلدية تحت المجهر: نهى الغصيني نموذجاً

تجربة رئيسة بلدية تحت المجهر: نهى الغصيني نموذجاً

ديانا سكيني


dianaskaini@albaladonline.com

إستضاف برنامج "اسأل الخبير" الذي تنظمه جمعية بلدتي رئيسة بلدية بعقلين ورئيسة إتحاد بلديات الشوف الأوسط نهى الغصيني.

في العام، 1987 تسنى لنهى الغصيني عقد جلسات طويلة مع وليد جنبلاط. حينها كانت المهندسة البعقلينية تعد لرسالة الدكتوراه في جامعة السوربون التي سلطت الضوﺀ في احد محاورها على شكل الادارة المدنية خلال الحرب الاهلية. ساعات الحوار الطويلة مع زعيم الجبل التي ما زالت الأستاذة تحتفظ بها مسجلة على اشرطة حتى اليوم حبلى بالروايات "الجنبلاطية" النادرة. الا ان ما يتناهى الى ذهنها تلقائيا تعليق ابو تيمور على اقتراح الاستاذ المشرف على اطروحتها بأن ينشئ الدروز دولتهم الــخــاصــة. يومها استخف جنبلاط بالطرح مبديا رفضه القاطع للنظرية.

لم تنقطع العلاقة الانسانية بين الزعيم والاســتــاذة فبقيت العلاقة تتواتر على شكل تبادل في الفكر والرأي، وكان التنظيم المدني للشوف مشتركا هاما في هذا السياق.

فــي هــذه، الاثــنــاﺀ انهت الطالبة المجتهدة سني غربتها التعليمية في بــاريــس. تعاقدت مــع الجامعة اللبنانية حيث درست مادة التنظيم المدني في كلية الهندسة. تعاقدٌ لم يكن نتاجه الــمــادي ليسمن من غيث، لكنه امّن مدخولاً ستحرم منه لاحقاً الناشطة الاجتماعية التي قررت طرق باب رئاسة بعقلين ذات يوم من العام 1998.

هــكــذا قـــررت التضحية بأشياﺀ كثيرة في ميزان التجربة الجديدة التي تستحق المغامرة. فاذا كان اكثر ما يربطها بصفوف الجامعة، الالواح، والطبشور، والكراسات وجذوة الفكر المشتعلة لدى الشباب الذين نجحت في نسج خيوط القضايا معهم، فان شباب بعقلين الذين احتكت بهم بشكل مكثف خــلال نشاطها في الجمعيات الاهلية المساندة لقضايا البيئة في البلدة جعلتها تعثر على بديل. الشباب كانوا سندها الاول حين اعترض رجال ثاني اكبر عائلة في بعقلين التقليديين.

الــكــفــاﺀة + دعــم الــشــبــاب مقابل تفكير متزمت يؤثر الاتيان برجل الى سدة رئاسة البلدية ليؤدي رسالته في انفلاشة وجاهة وزعامة العائلة على اكمل وجه لا ينتقص منه شيﺀ قد يعترض يوميات انثى في اجتماع او تقليد.

لكي تنقلب هذه المعادلة لصالح المرأة الكفوﺀة الطامحة كان يجب على الزعيم السياسي ان يقول كلمته.

الزعيم الذي يحفظ لابنة عبد الكريم الغصيني اجتهادها العلمي والمهني والــــذي خــبــره فــي مساهمتها في دراسات التنظيم المدني "الشوفية"، قال كلمته فاقتنع رجال العائلة.

تــولــت نهى الغصيني رئاسة بلدية بعقلين التي عاشت 30 سنة خلال الحرب الأهلية من دون بلدية بعد انتخابات توافقية فــي العام 1998. تــوافــق لــم يــكــن ليسهل عبورها الى التأقلم السريع مع المهمة الجديدة. لكن اصــرارهــا كــان يشي بضرورة نجاح التجربة التي تكبدت اثمانا لخوض غمارها، اكبرها كان ترك العمل الجامعي والانتقال من بيروت للسكن في بعقلين.

في الرواية المتسلسلة لسيرتها تتوقف الغصيني عند ضــرورة عدم حرمان القانون لرئيس البلدية من وظيفته. تتحدث عن وعد تلقته من الوزير زياد بارود بالعمل على ادراج فئة الموظفين الاولى ضمن من يحق لهم الترشح للانتخابات البلدية.

قبل ان يتعثر الامر ويسقط مشروع الاصلاحات المقترح حق هذه الفئة، متبنيا حق الفئتين الثانية والثالثة بالترشح.

هذا الواقع يرخي بظلال اقتصادية منهكة على صاحب الكفاﺀ ة الذي يكرس وقته، كل وقته للعمل البلدي ويجد نفسه بعد ولايتين مكتفيا بالشق المعنوي الذي يحتفي بالانجاز، في الوقت الذي يصعب عليه أن يمد اليد الى مخصصات البلدية الشحيحة بــالاصــل. عقبة التضحية بالعمل الجامعي المتصلة بالشق الشخصي والمعنوي لم تكن الوحيدة.

كان يجب على المرأة التي عرفت بطباعها العسكرية لكثرة ما تشبثت بتطبيق القوانين وعدم المحاباة ان تواجه انوثتها المطبوعة في عيون اعضاﺀ المجلس البلدي الآخرين. ابرزهم نــائــب الرئيس صــاحــب الشخصية القوية والذي مثل ظلال الرجل التي تتمرد في بعض الاحيان على قيادة المرأة في لاوعيها. بعد فترة من رسم الحدود الفاصلة للمهام والصلاحيات، غلب الانسجام بين الرئيس ونائبه وتكرس التأقلم في الطباع واساليب العمل وتنظيم الخطط.

أما بعض الاهالي الذين احتفظوا بنظرة سلبية تجاه قيادتها كونها امـــرأة فــي الفترة الاولـــى ســرعــان ما تطبعوا بطبعها دون ان ينجحوا بجرها الى منطقهم.

كان يجب عليها ان تتعامل مع نظام رئاسي يلقي بأغلب اعباﺀ البلدية على الرئيس صــاحــب الصلاحيات الواسعة. كان عليها ان تقوم "بتدبير" المشاريع وفق الاولويات التي تتيحها الــمــيــزانــيــة الشحيحة، وان تحجز الاعتمادات للمشاريع الناجعة وتعمل على اقناع المجلس البلدي بوجهة نظرها. كما ان عدم تأقلم المواطن مع عقلية المأسسة، كان يوحي اليه بان معاملته لن تمشي الا اذا اجتمع برئيس البلدية، الامر الذي يستنزف الوقت والجهد.

ويــبــقــى أبــــرز الانــــجــــازات الــتــي أرختها لمسة المرأة- الرئيسة "تغيير الذهنية"، كما تقول. وفي الموازاة، يرتفع في الاهمية ايضا فتح باب البلدية امــام الشباب والجمعيات الاهلية الجادة للمشاركة بالرأي والطرح والمبادرة "ايمانا بأن دور البلدية لا يقتصر حصرا على بناﺀ حائط دعم وفلش طريق بالزفت، فأولوية العمل هي الانسان وليس الحجر".

أعباﺀ رئاسة اتحاد بلديات الشوف الاوسط التي ولجتها بدعم وثقة وليد جنبلاط، وسعت بيكار المسؤولية التي لا تعود الى صاحبها في النهاية الا بالمردود المعنوي.

خصوصا حين تــكــون "حصتنا من الصندوق البلدي غير مؤمنة رغم مطالبة وليد بك". ميزانية "لا تكفي لسداد رواتــب الموظفين حين يتم صــرف مبلغ 116 مليون ليرة لتسع قــرى كنتيجة لتقاسم مخصصات الاتحادات البلدية الاربعة في القضاﺀ والبالغة 560 مليون ليرة بطريقة القسمة الحسابية التي لا تراعي حاجات القرى واعداد سكانها". ومع موازنات مماثلة شحيحة، يصبح البحث عن تمويل جهات مانحة خارجية امرا لا مفر منه، هكذا لعب جنبلاط دورا هاما في حصول الاتــحــاد على هبة من الاتحاد الاوروبــي تبلغ 680 الف يورو ضمن مشروع التنمية السياحية البيئية للقرى التسع.

وحــيــن تــســرد الانـــجـــازات، تحط "لجان" الأحياﺀ على طاولة التشريح المجهري. ينص القانون البلدي على حق البلدية بانشاﺀ لجان بلدية يمكن ان ينضم اليها اشخاص من خارجها.

اما لجان الاحياﺀ فكانت تتألف في احيان كثيرة من مواطنين من خارج الحيز البلدي يقع عملهم ضمن خانة الدعم والنصح ونقل المشكلة ورؤية الحل للبلدية. لكن في اتحاد بلديات الشوف الاوسط، بدا ان تجربة متابعة 12 لجنة على مدى سنتين ونصف بشكل مستمر أمــرٌ يتطلب الكثير من الوقت والمتابعة عبر الإجتماعات وعــرض التقارير، وبالتالي لم يثبت شقه العملي بما هو كاف. الامر الذي يستدعي مزيد من الدراسة التقييمية للتجربة.

في عــداد الانــجــازات التي يفخر عناد رئيسة البلدية ايضا بتسجيلها: صــدور حكم قضائي منذ شهرين لاستعادة اراض تابعة لبلدية بعقلين كانت قد احتلت خلال الحرب. حكمٌ جــاﺀ نتاج مسار قضائي طويل في مواجهة اشخاص نافذين، ناهيك عــن ان المجلس الــبــلــدي استغرق وقتا طويلا للاقتناع بخوض معركة استعادة اراضي البلدية.

خلاصة التجربة التي تود نهى ا لغصيني تسجيلها: ا لمعر كة البلدية حساباتها مختلفة عن تلك النيابية. من ترشحن ووصلن او لم يصلن في انتخابات 1998 و2004 كن من المغامرات المؤمنات بانخراط المرأة في العمل المسؤول. حينها لــم يسجل وجـــود دعـــم سياسي وحزبي خصوصا لصالح المرأة حيث آثرت عقلية الاحــزاب في كثير من الاحــيــان مسايرة خاطر العائلات التي اختارت رجالها لتمثيلها في المجالس البلدية. "كــن استاذات جامعيات وناشطات في الجمعيات الاهليات، تغييرات"..، من هنا يجب عــدم التقليل من شــأن تجربتهن حين يصبح حديث الكوتا حديث الموسم.

"هـــي تمييز إيــجــابــي وربــمــا جعلت اعداد النساﺀ في المجالس البلدية قرابة 0002 الـــ من اصل 10000 بدل الواقع الراهن الذي يسجل وجود قرابة 200 امرأة في المجالس البلدية بينهن ست رئيسات بلديات ورئيستا اتحاد بلديات". تبقى آلية تطبيق الكوتا محط تفكير انتهى بالاستاذة الى اقتراح عدم اسقاط الصوت التفضيلي من المعادلة.

أمــا النسبية والتي انتقدها بالمناسبة اخــيــرا وليد جنبلاط لخطر ربما كمن في الاخلال بالواقع الديموغرافي فهي "بحاجة الى مزيد من التمعن والتفكير من اجل انجاح التجربة لأننا يجب الا نسقط ان ممارسة الانتخاب لدى المواطن اللبناني ارتبطت بعادة التصويت لاشخاص عبر تأليف اللائحة الخاصة، ومــن الصعب تغيير العادات الانتخابية اذا صح التعبير للشعوب في شكل مفاجئ دون تدرج في التجربة وتراكم في المسار".

 

Reference: Albaladonline.com