الا ليت الشباب
قد يقر مجلس النواب في جلسته الاشتراعية اليوم، اقتراح خفض سن الاقتراع من 21 الى 18 سنة، لكن من الصعوبة بمكان تطبيق هذا الإجراء في الانتخابات المقبلة،بل على الارجح في العام 2013 ، لأكثر من سبب جوهري، أبرزها نفاد المهل لتنفيذه في السابع من حزيران المقبل، سواء لجهة ترتيبات أي تعديل دستوري، أو لجهة تحضير القوائم الانتخابية من جديد.
ليس هذا هو المهم، اذ ان الشباب الذين صبروا طويلا على مثل هذا الاقتراح، يستطيعون الصبر اربع سنوات أخرى. المهم ان هذه الخطوة في بلد كلبنان يحكمه نظام غير قابل للكسر والاصلاح، تبدو من دون جدوى، اللهم إلا في زيادة عدد الناخبين وتوسيع الشريحة التي تختار ممثلي الأمة في البرلمان.
صحيح أن هناك 146 دولة في العالم تعتمد سن الثامنة عشرة للاقتراع، لكن النظام اللبناني لا يشبه غيره من أنظمة العالم، لا الديموقراطي منها ولا التوتاليتاري.
قد يكون هنالك الف سبب وسبب لخفض سن الاقتراع، ولكنّ هناك سببا واحدا هو المهم في هذا الإجراء، وهو أن يشارك الشباب في إحداث تغيير في بنية النظام، ونقله من مجاهل الطائفية الى زمن المواطنة. وللاسف لا يبدو هذا الأمر متوافرا في الزمن الحاضر، خصوصا في الانتخابات المقبلة.
فالشباب المعني بخفض سن الاقتراع، يفترض ان يكون جله من طلاب الجامعات، وهو الجيل الذي يبدأ في تلمس حياته السياسية ومصالحه الذاتية لاختيار طبيعة نظامه، والتمييز بين أن يكون وطنه مزرعة أو يكون دولة. ويعرف الجميع ان السنوات الاربع الماضية لم تسمح لهذا الجيل بممارسة هذه المراجعة مع الذات، حيث طغت العصبيات السياسية والطائفية والمذهبية على خياراته، فأضحى مشدودا بصورة لا ارادية الى فريق يحسب ان مصالحه تنتهي عنده. وليس سرا ان الجامعات تضج بهذه العصبيات التي تدلل على ان الشباب على دين ملوكهم، تماما كما هي معظم الاجيال التي سبقتهم.
ان الصراحة الجارحة تقتضي الاعتراف بأن هذه الشريحة من المواطنين، والتي يعول عليها في إحداث التغيير، لم يتسن لها في السنوات الماضية ان تتحضر لكي تلعب الدور المطلوب منها، بل هي شريحة مظلومة بأفكار ونظريات جعلتها في موقع المتلقي وليس في موقع الاختيار.
هل يعني هذا ان جيل الشباب المعني بخفض سن الاقتراع يحتاج الى إعادة تأهيل؟
ربما.. لكن الأكيد أن السنوات الماضية وما تخللها من سقطات كبيرة وصغيرة، تضع البلد كله على مشرحة التأهيل، وهذا يتطلب فترة من الاسترخاء السياسي قد يكون البلد مقبلا عليها بعد الانتخابات، في ظل التحولات الإقليمية والدولية، ما قد يسمح بمراجعة تؤسس لبداية التحول الوطني المطلوب.
في الخلاصة، لا يعني كل ما تقدم اعتراضا على خفض سن الاقتراع، بل يعني التروي في الرهان على هذه الخطوة، وإعطاءها الفرصة الكافية من الوقت، حتى لا يُصدم المراهنون عليها لإحداث التغيير المطلوب.
ان تجربتنا الطويلة مضنية وتستدعي المراجعة الهادئة. كنا شبابا وحلمنا بالتغيير، وخضنا حروبا ضروسا لم تنتج وطنا. شابت أحلامنا ولم نصنع بلدا لأولادنا يطمئنهم الى مستقبلهم.
ألا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب!!
واصف عواض