الترشح خارج الثنائية وضدها
التمايز امرا تحول دون اظهاره كوابح العمالة وامن الطائفة ووحدتها
المستقلون المعترضون امام مهمة نسج التحالف السياسي فيما بينهم
يخوض فريقي "الثنائية الشيعية" في الجنوب معركة انتخابية هدفها رفع اعداد المنتخبين، وليس معركة الفوز على عديد المرشحين غير المنافسين في الدوائر ذات الاكثرية الشيعية، وهذا ما يؤكده كل مرشحي حزب الله وبعض مرشحي الرئيس نبيه بري خلال جولاتهم الانتخابية وفي مناسبات التأبين هذه الايام. ورغم قافلة السيارات التي احرقت حتى اليوم لناشطين في تيار الانتماء اللبناني المعارض لهذه الثنائية، فان ذلك لا يدل على انه بات يشكل خطرا داهما على مقاعدها في البرلمان. وان ساهم عمليات الحرق في ضبط تمدد نشاطه وتحرك المنتمين اليه، بسبب عجز القوى الامنية والمخابرات العسكرية والحزبية عن كشف مرتكبيها.
واذا نحينا هذا التيار جانبا، يبرز الى واجهة القوى التي لم تحظ بدخول "جنة الثنائية" الحزب الشيوعي اللبناني الذي بدا انه يدخل المعركة الانتخابية متاخرا، ومربكا في التعامل مع الناخبين من موقع سياسي متمايز بعدما بذل الكثير في رحلة التحالف مع قوى 8 اذار وتحديدا حزب الله، وعاد خائبا على ما يصف العديد من مناصريه وخصومه. وهو ربما ما دفع قيادته الى ان تقصر معركتها الانتخابية في الجنوب على احد المقعدين الشيعيين في دائرة مرجعيون-حاصبيا، وبمرشح الحزب المستمر منذ العام 1992 ،نائب الامين العام للحزب سعدالله مزرعاني. وهو ترشيح يعكس رغبة في استمرار الحزب الحفاظ على عادة الترشح من دون ان يتضمن بالضرورة موقفا سياسيا يبرره، خصوصا ان مثل هذه المحطات الانتخابية فرصة سياسية لتظهير الكفاءة الحزبية واستقطاب الناس على برامج تلبي طموحات فئات واسعة من الناس وتجيب على اسئلة تمس حياة الناس وتطلعاتهم.
على ان المثير في معركة الحزب الانتخابية اليوم ان ليس لديه اي حليف، وهو غير قادر حتى اليوم ان يقول ان هناك من يعتبرهم في خندقه السياسي والانتخابي، ولعل هذه لا تختصر ماساة الحزب، بل ثمة تعبير اخر عنها يكمن في العجز عن استنهاض محازبيه او قل اليساريين عموما في هذه المعركة، وغيرها من المعارك الانتخابية التي يخوضها الحزب في دوائر اخرى خارج الجنوب، وفي هذه الحال كيف يمكن ان يدفع الناخبين الى ان يخرجوا من بيوتهم يوم الانتخاب ليقترعوا لمرشحيه ولخياره السياسي.
وبين هذا وذاك واولئك يندرج المرشحون المستقلون، وهؤلاء في الدوائر ذات الغالبية الشيعية في الجنوب، يدركون انهم يواجهون ظروف معركة قاسية، بسبب حدة الاستقطاب المذهبي الذي دفع بجزء كبير من الناخبين الشيعة الى خيارات سياسية قائمة على العصب اسوة بالناخبين السنة والدروز، واضافة الى ذلك انهم يواجهون سلطة الدولة التي يمسك بزمامها الرئيس نبيه بري في الجنوب، عبر سيطرته المعلنة على معظم مؤسساتها الخدماتية والمدنية منها وغير المدنية، ومن جهة ثانية يواجهون سلطة المقاومة التي باتت قادرة على ان تفرض عنوانا للمعركة الانتخابية يقوم على التصويت للمقاومة او الوقوف ضدها، مع مايرمز اليه هذا الشعار من وسائل تاثير وترهيب في الناخبين فضلا عن المرشحين. مع قدرة فائقة ومميزة لديها على تغييب كل العناوين السياسية والانمائية والاجتماعية التي يفترض ان تكون محاور السجال السياسي والانتخابي لدى عموم الناخبين.
بين الاستقطاب المذهبي و سلطة المقاومة والسيطرة على مؤسسات الدولة، تبرز نزعة الاستئثار والتحكم التي يواجهها المرشحون خارج سرب"الثنائية"، ويصبح التمايز السياسي، امرا تحول دون اظهاره كوابح تتصل بالخيانة وامن الطائفة ووحدتها، فيصبح بعض المرشحين اسرى عمليات فحص الدم الطائفي والوطني، ويسقط بعضهم اسرى العجز عن التعبير عن مواقفهم ورؤاهم التي باتت في اسفل سلم الاهتمامات في الصراع السياسي القائم على مستوى البلد.
على رغم هذه الكوابح والمعوقات التي حكمت الجنوب منذ انتخابات العام 1992، فان المراقب يسجل للمرشحين المعترضين على لوائح تحالف السلطة وحزب المقاومة في الجنوب، جراتهم على الدخول في هذه المعركة ، وهو بحد ذاته خطوة مهمة تسجل لاصحابها، على انها تبقى بحاجة لمزيد من التظهير الذي يتطلب خطوات نحو اقناع الناخب بقدرة المستقلين المعترضين على ان ينسجوا التحالف السياسي والانتخابي فيما بينهم، وهذه الخطوة كفيلة بان ان تدفع الناخب المنكفىء او المعترض على منطق الاستئثار والمصادرة، لان يفكر في ان يشارك في معركة ذات معنى يليق بالجنوب.