غابات عكار واجفة بانتظار موسم حرائق الصيف
تمتلك عكار أطول واجهة حرجية متصلة في دول حوض البحر المتوسط. الواجهة التي يبلغ طولها 22 كلم معرضة للإبادة بفعل الحرائق، وفي ظل غياب خطة واضحة للوقاية والمعالجة. ما يجعلها دائماً في دائرة الخطر ما دامت رهن معالجات ارتجالية، تتعهدها بعض المؤسسات الدولية وبعض الناشطين البيئيين من وقت لآخر، بدون إطار متكامل تشرف عليه الدولة
بشّر ارتفاع درجات الحرارة في الأيام القليلة الماضية بحلول فصل الصيف. لكن نعمة تعاقب الفصول انقلبت في عكار منذ سنوات عدة تعاقب نكبات، إذ أصبح شتاء عكار «غريق» وصيفها «حريق». والحريق هنا ليس بالمعنى المجازي فحسب، بل هي حرائق فعلية تندلع سنوياً عند حدوث أول موجة حرّ، وتتوالى نيراناً تأكل الغابات، فلا يخف أوارها إلا مع سقوط المطر في بداية شتاء آخر.
ولأن الحرائق باتت قدراً محتوماً يحصد آلاف أشجار عكار سنوياً، لذلك يصبح السؤال مبرراً بالنسبة إلى جدوى الأجهزة المكلفة بحماية الأحراج، لا سيما الدفاع المدني ومأموري الأحراج. أو ربما قد يكون توليد هذا النوع من الأسئلة من الأهداف التي يسعى خلفها مشعلو الحرائق. حيث يصبح السؤال عن مبرر مع فتح تسعة مراكز للدفاع المدني في منطقة الدريب وحدها، من نوع كلمة الحق التي يراد بها الباطل. الحق أنه ما من جدوى لتلك المراكز ما دامت الحرائق مستمرة، والباطل يكون بغض الطرف عن تقصير الأجهزة بالجملة في تعقب مفتعلي الحرائق من ناحية، ومن ناحية أخرى في عدم تعزيز دور الدفاع المدني وتفعيله، إذ لا يجوز أن تبقى معظم مراكز الدفاع المدني باستلام «ضباط بلا عسكر» حيث يعمل مدراء تلك المراكز من دون موظفين.
لذا، يبقى إطفاء الحرائق على همة المتطوعين الذين مضى على تطوع بعضهم أكثر من عشر سنوات من دون البت بمصير تفرغهم، فهم يعملون مجاناً. وتالياً، لا يملك مدراء المراكز سلطة إكراههم على الالتزام بالعمل. وفي هذا المجال أفاد رئيس بلدية القبيات عبدو عبدو بأنه قدّم من صندوق البلدية مبالغ شهرية للمتطوعين في الدفاع المدني من أجل حثّهم على الدوام بانتظام. وساهمت البلدية في تأمين العديد من التجهيزات لمساعدة عناصر الدفاع المدني في القيام بمهماتهم. وفي عام 2006 تحملت البلدية كلفة تأمين دواء مكافحة الصندل الذي يصيب أشجار الصنوبر. ورشّت على نفقتها الأحراج على جانبي الطريق بطول ثلاثين كيلومتراً في مختلف المناطق ضمن نطاق القبيات البلدي. وعليه صارت دائرة الشمال في الزراعة تسلم البلدية الكمية المطلوبة من الدواء كل سنة. كما قامت البلدية بعملية «تشحيل» للأحراج، فكلّفت فريق عمل القيام بعمليات التشحيل وإحداث قواطع وممرات لإعاقة انتشار الحرائق في حال حصولها، لكن وزارة الزراعة استجابت لأصوات بعض المعترضين على أثر حملة إعلامية أثارها البعض بوجه البلدية، على حد تعبير رئيسها. لذلك انكفأت بلدية القبيات عن متابعة نشاطها المعتاد، وأوقفت تدخلها بموضوع الأحراج. وعندما اتصل غازي كسار، مسؤول دائرة الشمال في وزارة الزراعة، طالباً من البلدية مؤازرة شركة كرّوم المكلفة بتشحيل الأحراج، يضيف رئيس البلدية، أنه كان غير مبال، لم يعترض ولم يؤازر، فالتشحيل بنظره غير مفيد في الربيع والصيف عندما تكون الأشجار في طور التزهير والنمو، إذ ينبغي ترك هذا النوع من الأعمال لفصلي الخريف والشتاء.
دعد شاهين، مسؤولة وحدة عندقت في جمعية حماية الثروة الحرجية والتنمية، تتابع مع مجموعة من الناشطين في بلدتها قضية الأحراج منذ عام 2003 بعدما باتت كثافة الحرائق تهدد بالقضاء على الثروة الحرجية. وفي غمرة ذلك النشاط أثارت اهتمام تلك الجمعية بالنظر إلى أهمية تلك الواجهة الحرجية الممتدة من بلدة شدرا مروراً بعندقت والقبيات وصولاً إلى أعالي فنيدق وتخوم الهرمل. فقدمت الجمعية المذكورة هبة تقدر بـ550 ألف يورو على هيئة مشاريع تدريب وتجهيز بنى تحتية في سبيل مكافحة الحرائق.
أما رئيس مجلس البيئة والتراث في عكار أنطوان ضاهر فهو يتحدث عن غياب سياسة لمكافحة الحرائق في لبنان. سياسة تنطلق من الوقاية كخطوة أولى وأساسية، مروراً بخطة معالجة مرنة وبسيطة في الآن نفسه، وانتهاءً بمتابعة تداعيات الحرائق والمسالك الإجرائية التي ينبغي أن تتخذها السلطات النافدة.
في موضوع الوقاية يقترح ضاهر حلاً أثبت فعاليته في عام 2002 عندما وُضع برج المراقبة الوحيد في لبنان على تلة المرغان بحيث أمكن رصد منطقة حرجية بشعاع يمتد مسافة ثلاثة كيلومترات، وبالفعل يقول ضاهر إن حرائق عام 2002 تراجعت بنسبة ثمانين بالمئة عن العام السابق. ثم يضيف أن المناطق الحرجية المعرضة للحرائق يمكن إحكام رصدها من خلال عدد قليل من الأبراج بالنظر لقلة الأماكن التي بات معلوماً بالخبرة أنها مهددة بالاحتراق.
أما عن المعالجة فهو لا يبدي حماسة لأساليب الإطفاء المستوردة من الخارج، من دون إغفال ضرورة الاستفادة من تجارب الآخرين، لكن خصوصية التضاريس في لبنان لجهة ضيق الأودية وكثرة التعرجات تحتّم استخدام وسائل مرنة تعتمد على سرعة الحركة وتعتمد وسائل بسيطة كالمرشات المحمولة والرفوش والفؤوس وما إلى ذلك، لكن العبرة في وسائل الاتصال وسرعة الانتقال، وهنا لا بأس من استخدام المروحيات لتسريع نقل المتطوعين مع وسائلهم البسيطة لمحاصرة الحرائق ومكافحتها. ويلح ضاهر في هذا الصدد على خلل بيّن من خلال تحييد الجيش في التخطيط لمكافحة الحرائق بحجة انهماكه في مسائل الأمن والدفاع، وهي حجة لا تلبث أن تسقط عندما يرى الجيش نفسه متورطاً كل مرة في مكافحة الحرائق. فلماذا لا يكون تدخله استباقياً؟
والأخطر من ذلك برأي ضاهر هو إهمال تداعيات الحرائق وغض الطرف عن تفعيل قانون الغابات الذي يحرّم الرعي والتحطيب وأي استخدام آخر للأراضي المحروقة، وهو بيت القصيد من وراء الحرائق التي تصل نسبة المفتعل منها إلى أكثر من تسعين في المئة. بين المساعدات الأجنبية والمؤسسات المحلية البلدية والأهلية تبقى الغابات عرضة للإبادة المستمرة، فهل نتوقع هذا العام بكاء المسؤولين على رماد الغابات المحترقة مثلما فعلوا في الأعوام السابقة؟
روبير عبد الله
Elie Nader
16 years ago