صحيفة تتوحّد دعماً لتحرّك حاسم ينقذ كوكبنا 56
56 صحيفة تتوحّد دعماً لتحرّك حاسم ينقذ كوكبنا
هذه الافتتاحية تُنشر اليوم في 56 صحيفة حول العالم منها "النهار" بعشرين لغة مختلفة بينها الصينية والعربية والروسية. وأطلقت هذه المبادرة صحيفة "الغارديان" التي عمل فريق منها على إعداد النص بالتشاور مع محررين من أكثر من عشرين صحيفة شاركت في المشروع.
تتخذ 56 صحيفة في 45 بلداً خطوة غير مسبوقة اليوم، فتتكلم بصوت واحد من خلال افتتاحية مشتركة، ونفعل ذلك لأن البشرية تواجه حالا طارئة جداً.
إذا لم نتّحد للقيام بتحرك حاسم، سوف يعيث التغير المناخي خراباً في كوكبنا، ويقضي معه على ازدهارنا وأمننا. تَظهر الاخطار إلى العلن منذ جيل. والآن بدأت الوقائع تتكلم: في أحد عشر عاماً من الأعوام الأربعة عشر المنصرمة، بلغت حرارة الأرض أعلى مستوى لها على الإطلاق، وجليد القطب الشمالي يذوب، وتشكّل أسعار النفط والمواد الغذائية التي سجّلت ارتفاعاً شديداً العام الفائت مؤشراً ينذر بأضرار جسيمة في المستقبل. في الدوريات العلمية، لم يعد السؤال المطروح عما إذا كان البشر يتحمّلون المسؤولية، بل يتركّز النقاش حول الوقت الضئيل المتبقّي لنا للحد من الأضرار. لكن حتى الآن كانت استجابة العالم ضعيفة وفاترة.
تتراكم مسببات التغير المناخي منذ قرون، وتترتب عنه تداعيات سوف تستمر في كل الأزمان، وسوف تتحدّد الإمكانات المتاحة لنا لترويضه في الأيام الأربعة عشر المقبلة. نناشد ممثلي البلدان المئة والاثنين والتسعين المجتمعين في كوبنهاغن بألا يترددوا، ولا يغرقوا في الخلافات، ولا يلوموا بعضهم بعضاً، بل أن ينتهزوا الفرصة من أعظم الإخفاقات الحديثة في السياسة. يجب ألا تكون معركة بين العالم الثري والعالم الفقير، أو بين الشرق والغرب. يؤثّر التغير المناخي في الجميع، ويجب أن يشارك الجميع في إيجاد حل له.
العلوم معقّدة لكن الوقائع واضحة. يجب أن يتّخذ العالم خطوات كي لا ترتفع حرارة الأرض أكثر من درجتين مئويتين، ويقضي هذا الهدف بأن ترتفع الانبعاثات العالمية إلى الذروة ثم تبدأ بالانخفاض في غضون الأعوام الخمسة إلى العشرة المقبلة. من شأن ارتفاع أكبر في الحرارة يصل إلى ثلاث أو أربع درجات مئوية – مستوى الارتفاع الأصغر الذي نتوقّعه بحذر في حال عدم التحرّك – أن يتسبّب بجفاف القارات، محوّلاً الأراضي الزراعية صحارى. قد تنقرض نصف الأجناس، ويُشرَّد ملايين الأشخاص، وتغمر مياه البحر دولاً بكاملها.
قلة تعتقد أنه لا يزال في إمكان قمة كوبنهاغن أن تتوصل إلى معاهدة مكتملة من مختلف الجوانب؛ فالتقدم الحقيقي نحو معاهدة من هذا النوع لم يبدأ إلا مع وصول الرئيس الاميركي باراك أوباما إلى البيت الأبيض والعودة عن سنوات من المعوقات الأميركية. حتى في الوقت الحالي، يجد العالم نفسه تحت رحمة السياسة الداخلية الأميركية، فالرئيس لا يستطيع أن يلتزم التزاماً كاملاً بالخطوات الواجب اتّخاذها قبل أن يوافق الكونغرس الأميركي على ذلك.
لكن يستطيع السياسيون في كوبنهاغن ويجدر بهم أن يتفقوا على العناصر الأساسية لاتفاق منصف وفاعل، وعليهم أن يتفقوا في شكل أساسي على جدول زمني محكم لتحويله معاهدة. ومن أجل ذلك، يجدر بهم تحديد مهلة تنتهي مع اجتماع المناخ الذي ستعقده الأمم المتحدة في بون في حزيران المقبل. فكما يقول أحد المفاوضين "يمكننا أن نستعين بوقت إضافي، لكن لا يمكننا أن نعود إلى نقطة البداية".
ويجب أن تكون في صلب الاتفاق تسوية بين العالمَين الثري والنامي حول آلية تقسيم عبء مكافحة التغير المناخي – والسبيل لمشاطرة مورد يصبح قيّماً في الآونة الأخيرة: نحو تريليون طن من الكربون الذي نستطيع أن نصدره قبل ارتفاع درجة الحرارة إلى مستويات خطرة.
سوف يكون التحوّل مكلفاً، لكن أقل بكثير من فاتورة إنقاذ النظام المالي العالمي – وكذلك من كلفة العواقب المترتبة عن عدم التحرك.
سوف يكون على كثر بيننا، ولا سيما في العالم المتقدّم، تغيير أنماط عيشهم. فحقبة الرحلات في الطائرات التي تكلّف أقل من كلفة التوجّه في سيارة الأجرة إلى المطار تشارف على نهايتها. سوف يكون علينا أن نتسوّق ونأكل ونسافر بذكاء أكبر. سوف يكون علينا أن ندفع أكثر للحصول على الطاقة، ونستعمل كمية أقل منها.
غير أن الانتقال إلى مجتمع منخفض الكربون يحمل فرصاً أكثر منه تضحيات. لقد أدركت بعض البلدان أن التحوّل يمكن أن يولّد نمواً ووظائف ونوعية حياة أفضل. وتدفق الرساميل خير مثال على هذا التحول: فالعام الفائت، وللمرة الاولى، فاقت الاستثمارات في أشكال الطاقة القابلة للتجديد الاستثمارات في إنتاج الكهرباء من الوقود الأحفوري.
سوف يتطلب التخلص من عاداتنا في مجال الكربون في غضون عقود قليلة، مأثرة في الهندسة والابتكار لا مثيل لها في تاريخنا. لكن في حين كان النزاع والمنافسة وراء إرسال رجل إلى القمر أو فصل الذرة، يجب أن ينطلق السباق الكربوني المقبل بتحفيز من مجهود تعاوني للإنقاذ الجماعي.
سوف يسمح التفوّق على التغير المناخي بانتصار التفاؤل على التشاؤم، والرؤية على قصر النظر، وانتصار ما سمّاه ابراهام لينكولن "ملائكة طبيعتنا الأفضل".
انطلاقاً من هذه الروحية، توحّدت 56 صحيفة من مختلف أنحاء العالم خلف هذه الافتتاحية. إذا استطعنا نحن، رغم الاختلافات الكبيرة في وجهات نظرنا الوطنية والسياسية، الاتفاق على ما يجب فعله، فمن المؤكّد أن قادتنا يستطيعون أن يتّفقوا أيضاً.
يملك السياسيون في كوبنهاغن السلطة لصوغ حكم التاريخ على هذا الجيل: فإما يذكر التاريخ أنه جيل رأى التحدي وكان على قدره، وإما يذكر أنه جيل غبي جداً إلى درجة أننا رأينا الكارثة مقبلة ولم نحرّك ساكناً لمنعها. نتوسّل إليهم اتخاذ الخيار الصحيح.
ترجمة نسرين ناضر