مخاطر العقار اللبناني
مخاطر العقار اللبناني
سعر الشقّة في بيروت يرتفع 566% خلال 4 سنوات!
بين عامي 2004 و2009، ارتفع سعر شقّة متوسّطة المساحة في بيروت من 60 ألف دولار إلى 400 ألف دولار. ارتفاع مخيف يجعل العاصمة في المرتبة الثالثة في المنطقة من حيث مستوى الأسعار. ويفرض على البلاد مسؤوليّات عند مستويات عديدة، أبرزها اجتماعي، بحسب ما تخلص إليه دراسة يعدّها البنك الدولي
ليس غريباً أن تحلّ بيروت في المرتبة الـ52 عالمياً على مؤشّر سعر الشقق بمساحة 120 متراً مربّعاً. فهذه المدينة تشهد ارتفاعاً صاروخياً في أسعار العقار، ما يهدّد بخلق فقاعة، سيحمل انفجارها أبعاداً اقتصاديّة وماليّة واجتماعيّة، وتمتدّ آثارها السلبية إلى المؤشّرات الديموغرافيّة أيضاً.
وبحسب التقرير السنوي «دليل العقارات العالمي» الذي صدر أخيراً، فإنّ نسبة نموّ أسعار شقّة مساحتها 120 متراً مربّعاً في بيروت بلغت 566% بين كانون الأوّل من عام 2004 وعام 2009، والأمر لا يختلف في مجال إيجارات الشقق، إذ حلّت بيروت في المرتبة الـ53 بين 91 سوقاً عالميّة شملها التقرير.
قد تكون هذه المؤشّرات متّجهة صوب الاستقرار نسبياً مع «تراجع جاذبيّة الاستثمار العقاري، بسبب تراجع هوامش الإيجار من 11% إلى 4%»، بحسب التقرير نفسه، إلا أنّ ذلك لا يعني أنّ التداعيات لن تكون سلبية جدّاً، ولا سيما أن ارتفاع الأسعار ينتج في ظل لوحة اقتصاديّة ـــــ ماليّة تزدهر في إطار النظام الريعي القائم، لذلك قد تكون السلبيات أكبر بكثير من الإيجابيات المحققة من تدفّق الأموال وازدهار النشاط العقاري، لذا يجدر الالتفات إليها بمسؤوليّة لها عمقها الاجتماعي والاستراتيجي، بحسب ما تطرحه ورقة خلفية أُعدّت في إطار دراسة حديثة للبنك الدولي عن العوامل المحفّزة لنشاط القطاع العقاري في منطقة الشرق الأوسط، نظراً لهشاشة حلقة اقتصاد الخدمات ـــــ جذب رؤوس الأموال ـــــ السيطرة على الدَّين العام المتضخّم.
وتشير الورقة إلى أنّ الآليّة الأساسيّة التي توفّر النموّ (المشوّه) المستمرّ للقطاع العقاري في لبنان، هي آلية تدفّق رؤوس الأموال الناتج من «الهجرة التراكميّة». لذا يعدّ القطاع العقاري أساسياً لجذب رؤوس الأموال و«الحفاظ عليها». هذا الواقع يرفع، بحسب الورقة نفسها، «ثلاثة مستويات من الاهتمامات» التي تخصّ القضايا المطروحة للبحث.
جاذبيّة لا تُقهر
المستوى الأوّل يتعلّق بـ«شروط استقرار المحرّك المالي الأساسي». وتلفت الورقة هنا إلى دور القطاع في جذب رؤوس الأموال الوافدة التي «دعمت، وفي الوقت نفسه، شوّهت الاقتصاد اللبناني منذ ثمانينيّات القرن الماضي». وتقول إنّ العقارات أثبتت أنّها «العربة الأساسيّة الجاذبة للمدّخرات الطويلة المدى، فيما المصارف برهنت أنّها الآليّة لجذب المدّخرات الخارجيّة القصيرة المدى»، وبالتالي لا بدّ من الحفاظ على العقارات كـ«مغناطيس»، من خلال «رفع مستوى جاذبيّة تموضع الأموال (لا «استثمارها» ليكون المصطلح أكثر دقّة بحسب الورقة) في الأرض والعقارات». وفي هذا الصدد تنصح الورقة باعتماد معايير عديدة من سلطات الرقابة، ولا سيما لجهة فرض قواعد صارمة لمنع «الإقراض بهدف المضاربة» (Speculative Lending) خلال فترات الرواج، إضافة إلى زيادة الفترة التي تحتاج إليها المصارف لتسوية محفظتها العقاريّة في أوقات التراجع من 4 أعوام إلى 20 عاماً.
والهدف من هذه الإجراءات، تقول الورقة، هو «حماية النظام المصرفي وسوق العقارات معاً من أي انتكاسة مفاجئة، في ظلّ ديمومة الرقابة».
التشويه والتخفيف!
المستوى الثاني يتعلّق بآثار التشويه وإجراءات التخفيف الرئيسيّة: إذ تشدّد الورقة في هذا الإطار على أنّ ارتفاع أسعار الأراضي في المناطق التي «تستهدفها رؤوس الأموال الوافدة (أجزاء من بيروت وبعض المناطق الجميلة من الجبل) تمثّل عامل طرد قويّاً للنشاطات المحليّة في هذه المناطق، فيما لا تكون مربحة لأصحاب الأراضي في المناطق الباقية». وهنا تنتقد الورقة لجوء الحكومات اللبنانيّة المتعاقبة إلى «تبنّي إجراءات تخفيفيّة على جانبي العرض والطلب» عوضاً عن «اعتماد نظام ضريبي متماهٍ مع مخطّط واضح لاستخدام الأراضي والالتزام بخدمات عامّة نوعيّة». والإجراءات التخفيفيّة المحقّقة هي: 1 ـــــ تصنيفات الأراضي تحفّز رفع مستوى العرض و«فوائد» الإيجار. 2 ـــــ مخطّطات القروض المدعومة المخصّصة لمساعدة الطلب المحلّي بديلاً للواقع الناتج من تجميد الإيجارات، إضافة إلى الحدود المفروضة على تملّك الأجانب.
العرب... والحرمان
المستوى الثالث ينبع من واقع أنّ الإجراءات المخفّفة الممارسة على جانبي العرض والطلب، «لم تحدّ من ارتفاع أسعار الأراضي في لبنان وفقاً للمعايير المطلقة»، بحسب الورقة التي تضيف أنّ هذا الواقع «لا يمكن إلّا أن يكون نتيجة للطلب العالي والمستمرّ الذي تحفّزه المصادر الخارجيّة لناحية التمويل».
❞تكريس الأحياء الفقيرة واقعاً، فيما تزدهر المجمّعات المسوّرة والنوادي الخاصّة ❝أمّا الانعكاسات المشتركة لارتفاع أسعار الأراضي على الاقتصاد وعلى البيئة فهي «جدّ معقّدة وتستدعي رقابة حذرة وتقنيناً. والنتيجة تكون خفض الانتقائيّة بين الاستخدامات البديلة، إضافة إلى ارتفاع مستوى تأثيرات الإخلاء لمعظم استخدامات» الأراضي.
وفيما الانعكاسات الاقتصاديّة تُخفَّف عبر «إعادة توزيع تدفّق رؤوس الأموال والميل صوب الهجرة» تبقى التأثيرات البيئيّة غير محسوسة بالنسبة إلى فئات واسعة من المواطنين.
أمّا «المسائل الأكثر حساسيّة، فيبدو أنّها على الصعيد الاجتماعي». فالورقة تورد هنا طبيعة تقسيم الأراضي والعقارات في لبنان وفقاً للمستوى المعيشي وجنسيّة المالك! تقول: «بالنسبة إلى العديد من الخبراء، فإنّ وسط البلد (وسط بيروت) هو للعرب، وباقي بيروت هو للمهاجرين، وعلى المقيمين (في لبنان) البقاء خارج» العاصمة. وهذا الواقع يؤدّي إلى «تعمّق العزل الاجتماعي».
وترتكز الورقة على أرقام السياسات الرسميّة لتأكيد طرحها، وتشير إلى أنّ 70% من القروض المدعومة لتملّك المنازل «تُخصّص للشقق في جبل لبنان، في مقابل 3% للشقق في بيروت».
والفصل الاجتماعي يؤدّي إلى تكريس الأحياء الفقيرة، فيما «تزدهر المجمّعات المسوّرة والنوادي الخاصّة».
وتختم الورقة رؤيتها في هذا الصدد، بالإشارة إلى أنّ الاعتماد على القروض المدعومة لشراء المسكن يعوق انتعاش الإيجار، ما يعوق الحركة الداخليّة ويشجّع الشباب الفقير على الهجرة ويُنهي دعم أسعار الأراضي من دون آليّة دعم ضريبي.
(الأخبار)
--------------------------------------------------------------------------------
1488 دولار
الإيجار الشهري لشقّة مساحتها 120 متراً مربّعاً في بيروت، لتحلّ الأخيرة ثالثة في المنطقة وراء دبي مباشرة حيث الإيجار يبلغ 2807 دولارات
--------------------------------------------------------------------------------
27 مرتبة
هو موقع بيروت عالمياً من حيث معدّل سعر الشقّة قياساً إلى معدّل إيجارها. وكانت تلك المرتبة 35 و68 في عام 2008 و2007 على التوالي
--------------------------------------------------------------------------------
24 عام
عدد سنوات الإيجار الكافية لشراء شقّة في بيروت بمساحة 120 متراً مربّعاً، وهذا المعدّل هو الأعلى في المنطقة، حيث يبلغ في دبي 19 عاماً
--------------------------------------------------------------------------------
آلاف المساكن... أين البشر؟
نما العدد الإجمالي للوحدات السكنيّة في لبنان بواقع 100 ألف وحدة بين عامي 1996 و2004، أي بنسبة 10%، فيما عدد المساكن الأساسيّة ارتفع بما يشير إلى أنّ الطلب الأساسي على العقارات لم يكن من جانب اللبنانيّين المقيمين، بل من الخارج، وتحديداً من الأجانب وغير المقيميننسبة 20%، أي بواقع 150 ألف وحدة، بحسب دراسة البنك الدولي.واللافت هو أنّه خلال تلك الفترة تراجع عدد السكّان بنسبة 7%،