معطف السياسة يلّطف صقيع براد
ديانا سكيني
لا يكون تحوّل سورية مهدا للموارنة الاوائل عابراً حين يحج جبل لبنان اليها متتبعا خطى السائرين على درب شفيع الطائفة في ذكرى رحيله الـ. 1600 فأن تتحول سورية محجا للموارنة يعني في نظر البعض ان يفقد جبل لبنان اكسير وجوده "الكياني" التاريخي، من هنا، وبعيدا عن الواقع السياسي الراهن، يمكن فهم التريث ودراسة الخطى من جانب بطريركية المشرق وسائر انطاكية للموارنة المزروعة في قلب جبل لبنان منذ عقود وعقود غابرة. الا ان الجنرال الذي لا تعوزه الجرأة قرر ذات يوم السير عكس التيار محطما نمطية وجدانية خطت المسار التقليدي العاطفي والسياسي للمسيحيين اللبنانيين الناحي صوب الغرب. وفي دمشق، كان ثمة من يتلقف هذه الجرأة بمعطف السياسة الذي لفّ صقيع "براد" المنسية..
نــشــط الــتــيــار الــوطــنــي الحر منذ اسابيع تحضيرا لرحلة الحج حيث انطلقت قرابة المئة حافلة تضم وفـــودا شعبية ظهر امس من بيروت بعد ان حطت الطائرة اللبنانية التي نقلت العماد عون وشخصيات قــيــاديــة مــن التيار ورئيس الجمهورية السابق اميل لحود وعقيلته الى مطار حلب، علما ان النائب سليمان فرنجية وعقيلته كانا قد وصلا امس عن طريق البر.
هذا ومن المتوقع ان يشارك الــرئــيــس الـــســـوري بــشــار الاســد وعقيلته في القداس الاحتفالي الــذي يقام قبل ظهر الــيــوم في كنيسة القديس جوليانوس بجوار ضريح القديس مار مارون في قرية "براد" شمال حلب.
وكــانــت الــقــيــادة الــســوريــة قد اطــلــقــت صــفــارة الاســتــعــدادات اللوجستية والتنظيمية للحدث في القرية الواقعة على سلسة جبل سمعان والتي تبعد قرابة النصف الساعة عن مدينة حلب. فـ "براد" المحتضنة لضريح شفيع الموارنة منحتها المصالحة السياسية بين النظام الــســوري وقسم كبير من مــوارنــة لبنان حظوة كبيرة لدى المستوى الــرســمــي الـــذي ســارع الى استحداث بلدية خاصة بها مخصصا لها ميزانية كبيرة.
منذ اســابــيــع و "بــــراد" تضج بورش عمل متواصلة حيث أنجزت شبكة طرق تصل الى داخل البلدة ورصفت الكثير من الطرق بالحجارة وتم تزويدها بأعمدة الانارة ولوحات الدلالة وفق محافظ المدينة علي منصورة الذي يتحدث عن أهمية مستقبلية لـــ "بــراد" على صعيد السياحة الدينية.
وكانت وزارة السياحة قد اعدت مخططاً توجيهياً للموقع استجابة لتوجيهات القيادة السياسية، ذلك ان خصوصية براد لا تقتصر على احتضانها ضريح مار مارون، ففيها تنتشر ايضا الآثار التي يطل المرﺀ عليها من التلة المحتضنة لضريح القديس مارون من كنائس ومدافن وأبــــراج أثــريــة تــعــود إلـــى الــقــرن الخامس الميلادي.
وتشهد المنطقة اليوم تهافتا من تجار العقارات لشراﺀ مساحات واسعة من الأراضي في المنطقة بهدف استثمارها في مشاريع سكنية وسياحية.
وقــبــل المصالحة السياسية بين العماد عون والنظام السوري، كــانــت بـــراد أشــبــه ببلدة منسية تنام مخططاتها الانمائية في الادراج الحكومية. فوزارة السياحة ومديرية الآثــار قامتا في السابق بوضع برامج عمل انمائية للمنطقة توقف العمل بها او ســار ببطﺀ شديد، في ظل مناشدة من الجهات الكنسية المعنية بايلاﺀ المواقع الدينية الاهتمام اللازم والإسراع بحمايتها ومنع التعدي عليها من قبل تجار الآثــار والسكان الذين كانوا يستخدمون الأبنية الأثرية في احيان كثيرة كإسطبلات لتربية الحيوانات.
من جهته، اعلن مطران الموارنة في حلب يوسف أنيس أبــي عاد والذي يترأس القداس الاحتفالي الــيــوم عــن اســتــمــرار الاحــتــفــال بالمئوية السادسة عشرة على وفاة القديس مــارون لمدة عــام كامل حيث ستبدأ الاحــتــفــالات اليوم وتنتهي في الثاني من آذار العام 2011 القادم.
ويــشــمــل الاحــتــفــال الــديــنــي افتتاح معرض للصور الضوئية في قاعة العرش بقلعة حلب حول ضريح مار مارون ومواقع تنسكه في المنطقة وصور عن الآثار بما فيها صور الضريح والكنائس وغيرها مــن المعالم الأثــريــة التي تعيد احياﺀ المدينة. وقــد استحدثت الــمــطــرانــيــة صــالــة اضــافــيــة في الكنيسة لتستوعب اعداد المؤمنين اللبنانيين والسوريين والذين قد لا تــســاعــدهــم الــظــروف المناخية بالاحتشاد خارج الكنيسة.
وخــصــصــت وســـائـــل الاعــــلام السورية مساحة واسعة لتغطية اخبار المناسبة مبرزة استصراحاتها للمواطنين الحلبيين حــول زيــارة العماد عون والتي تقاطعت عند وصـــف الاخــيــر بــالــرجــل صاحب الــمــواقــف الــثــابــتــة والــصــريــحــة والداعمة للمقاومة.
وكذلك حرص الاعلام السوري على ابــراز الابــوة التي يشعر بها المسيحيون السوريون عامة تجاه العماد عون.
زيارة عون الى حلب هي الثانية بعد ان كان قد وصلها في السادس من كانون الثاني عام 2008. يومها اعدت له الاستقبالات الشعبية في ساحة فرحات والشوارع المؤدية إليها فــي منطقة الــجــديــدة في حلب القديمة حيث تقع عدد من الكنائس والكاتدرائيات التي زارها ملتقيا رجال دين وحيثيات فيها.
وجبيل مع النظام الــذي كــان قد مر وقت طويل على قطيعته مع المارونية السياسية اللبنانية.
وقــبــل تلك القطيعة، كانت تلك العلاقة عرفت جفاﺀ معهودا منذ استقلال البلدين وكرة سبحة الانقلابات في سورية التي بقيت تتوجس من الخاصرة اللبنانية.
هكذا، لم يكن ممكنا الفصل بين هذا التوجس السياسي الذي حكم الذهنية السورية في التعاطي مع لبنان ومسيحييه الذين قالوا ذات يــوم "نعم للغرب ولا لسورية" وبين الــتــاريــخ الــذي صنع لبنان الكبير.
في سورية، يحاول اليوم قسم من المسيحيين اللبنانيين فتح صفحة جديدة مختلفة على قاعدة المصالح المشتركة. هــؤلاﺀ قلما يأبهون لنتائج انتخابات نيابية يــرونــهــا عــابــرة بــقــدر مــا يأبهون لصناعة تاريخ مختلف تصوغه المصلحة التي تستحق المغامرة..
و "فلتسمح لنا مغامرات الماضي المدمرة"، يقول ناشط عوني مؤمن بالتجربة..
هـــم يــعــرفــون أن "تظهير مشهد الانقسام بين قداسي" مار مــارون "في الجميزة وبــراد ليس في مصلحتهم السياسية ولا هو ضالتهم"، لكنهم يريدون الاثبات أن "أبــوتــنــا للمشرق المسيحي تستحق تكريسا عملانيا يجعل من حدودنا اوسع من اقدام جبال لبنان".
.
أمـــــا بـــقـــيـــة الــمــســيــحــيــيــن الــمــعــتــرضــيــن عــلــى الــتــجــربــة فيرصدونها عن كثب متمسكين بقناعتهم الــراســخــة بــأن أبوية الانفتاح لا تكون الا على قاعدة تحديد معالم الكيان الماروني اللبناني المنسجمة مع وجدانه العاطفي والاجتماعي التاريخي أكثر فأكثر...