عبود:نعمل لموسم سياحة 365 يوماً.. في كل لبنان
يرتفع صوت وزير السياحة فادي عبود منفعلاً كلما أنهى حكاية سائح مع سائق تاكسي، أو حكاية الوزارة مع صلاحياتها وميزانيتها. وما يستغربه الصناعي، كثير، بدءاً من أن نسبة الرحلات السياحية المنظمة إلى لبنان لا تتجاوز الثلاثة في المئة، وصولاً إلى الوزارة التي يحمل حقيبتها، وتُعامل معاملة «تلميذ الصف الضعيف الذي يستقوي عليه الجميع»، على ما يصفها.
غير أنه يبدو جدياً في إصراره على تغيير الصورة. تغيير ينطلق من «معركة» صلاحياته، هو المسؤول قانوناً عن السائح ما إن تطأ قدماه لبنان، و«معركة» صلاحيات الشرطة السياحية التي يبلغ عديدها 25 عنصراً من المفترض ان يعملوا على كامل مساحة البلد، وهو المضحك المبكي بحسبه. لكن التغيير الأساسي هو في مأسسة القطاع السياحي، ومثله على هذا يأتي من المصنع: لا أحد يبتاع آلة تعمل ثلاثة أشهر وتتوقف في الأشهر المتبقية. كذلك، فإن السياحة يجب أن تنشط 365 يوماً في السنة، في كل لبنان، وليس حصراً على العاصمة فحسب. عبود يسعى إلى إنماء سياحي يمنع عن الفنادق في طرابلس وصور وحتى الجبل والمتن وكسروان، الخواء الذي تشهده في غير موسم الصيف، هي التي لا تبلغ نسبة الحجوزات فيها، حتى صيفاً، اكثر من خمسين بالمئة.
الافكار في جعبته كثيرة. أنواع السياحة الكثيرة التي يجب تقويتها والتسويق لها: الصحية والدينية والتراثية والشتائية.. كل ما من شأنه تدوير عجلة يقول عبود إنها مسؤولة عن ربع الدخل القومي للبلد. مع ذلك، فإن الأساس بالنسبة إليه هو في تغيير ثقافة «التشاطر» (أو التذاكي) عند بعض اللبنانيين من السائق إلى صاحب المطعم. هذه الثقافة التي تنقلب على صاحبها أولاً، وعلى صيت بلد تحذر الكتب السياحية من سيارات أجرة المطار فيه. وهناك ذهنية لبنانية أخرى للسياحة يعارضها عبود، هي أن لبنان بلد سياحي للأغنياء فحسب. يقول إن السائح الأوروبي، مثلاً، الذي يأتي وفي جيبه الف دولار ليصرفها في اسبوع، هو في المكانة ذاتها للسائح المليونير، وينبغي على البلد ان يؤمن لهذا السائح العادي متطلباته كلها والتي تبدأ من النقل العام المفقود في مطار رفيق الحريري الدولي.
السياحة هي مجموعة من التفاصيل الصغيرة، يقول فادي عبود في حواره مع «السفير». ويضحك بينما يشرح أنه حين ينقل هذه التفاصيل الصغيرة إلى مجلس الوزراء، وهي هموم حقيقية للسياحة، يجد بعض زملائه متلفتاً يستنكر هذه الهموم الصغيرة في ظل القضايا الكبرى.
لن تبقى وزارة السياحة تلميذ الصف الضعيف المسكين، هذا ما يعد به الصناعي، وزير السياحة.
[ ما معنى «صناعة سياحية»؟
ـ لم اخترع هذا المصطلح. العالم كله يعتبر هذا القطاع صناعة. السياحة في لبنان بحاجة إلى مأسسة نفتقدها. اذا ذهبت إلى فندق في بيروت وسألته عن المحجوز في آب، يقول لك لا شيء. الحجز على طريقتنا يكون قبل يومين فحسب. مأسسة السياحة تكون عبر السلة المتكاملة (package deal)، ومن خلال توزيع اقامة السياح الآتين عبر مثل هذه الاتفاقات على جميع الاراضي اللبنانية وفي كل ايام السنة. الصناعي لا يشتري آلة تعمل لثلاثة اشهر لتنام في الاشهر الباقية. هذه هي المعادلة.
نحن البلد الوحيد الذي تشكل الرحلات السياحية المنظمة ضمن سلة متكاملة، من الرحلة إلى الفندق إلى الوجبات والجولات السياحية، تشكل ثلاثة في المئة من السياحة فيه. لا يوجد بلد آخر في العالم كذلك. الاساس في السياحة هي هذه السلة.
[ لماذا هذا النوع ليس رائجاً لدينا؟
ـ الاسباب عديدة. لدينا أمر فريد هو أن فنادق بيروت الطلب عليها اكثر من العرض، ولا يمكن أن تتفق مع الفنادق على سلة متكاملة، ما دام الطلب أكثر من العرض. الفندق ليس مضطرا إلى حجز خمسين غرفة طوال السنة مجمداً سعر هذه الغرف. في المقابل، لا يمكن للفندق ان يخبر منظم الرحلات أن اسعار الغرف سترتفع في الصيف. اذا اراد المنظمون وضع الفنادق على لوائحهم فعلى هذه أن تبقي على السعر الذي اتفقت معه عليه مسبقاً. وهؤلاء المنظمون يسألون الآن، لماذا أنشط فنادق المحافظات، وحين تصير قوية لا تعود تهتم بنا. هذا تفكير خاطئ بدوره، لأن المنظمين الأجانب قد يسبقون المحليين إلى هذه الفنادق ويستغلونها. ما هو الواقع الآن؟ ثمة فندق مهم جداً، في مدينة صور مثلاً، يظل كل الشتاء فارغاً. نحن الآن نركز تركيزا أساسياً على المناطق. علينا جلب السياح شتاءً وصيفاً. ينزلون في فنادق في صور وطرابلس والمعاملتين والجبل، يدفعون تكلفة ليست كبيرة، ينزلون في فنادق هذه المدن، ويجولون على كل لبنان.
مشكلتنا كلبنانيين أننا اقنعنا أنفسنا بأننا صالحون للسائح المليونير فقط، وليس مثلاً للأوروبي الذي في جيبه الف دولار يريد صرفها في اسبوع سياحة هنا. هذا لا يحق لنا ان نقول له «عمره لا يرجع». هو يوزاي المليونير اهمية. لكن، هل هناك مطار آخر في العالم لا يوجد فيه نقل عام؟ لا بوسطة ولا قطار.
[ ماذا عن المشاكل الأخرى التي يعانيها القطاع؟
ـ كثيرة. السياحة هي مجموعة من التفاصيل الصغيرة. إليك مثلاً: في مطار رفيق الحريري الدولي، تظل تسمع صوتاً يقول إنه يمنع التدخين في غير المناطق المخصصة. هل يعرف أحد أين هي المناطق المخصصة للتدخين؟ اتصلت سائحة انكليزية بنا تخبرنا أنها سألت عسكرياً في المطار: لماذا تذيعون عن الاماكن المخصصة للتدخين وهي ليست موجودة، وأنت عسكري وتدخن. قال لها: smoke smoke don’t worry (دخني دخني. لا تقلقي). ظن أنها تسأله اين يفترض بها أن تدخن. هذه سائحة. أي صورة ستأخذها عن لبنان. ويذيعونها بلغات متعددة. الانكى أن التحذير يذاع بثلاث لغات، «نان سموكينغ قال.. وبالانكليزي!». وكل ما نحتاج إليه هو غرفة زجاجية خمسة أمتار بخمسة.
وايضاً، يقولون، «خدمة الحمال من دون مقابل»، جرّب أن تكون هذه الخدمة من دون مقابل. قد يصعد معك إلى السيارة ما لم تدفع له.
هناك طالبة عمرها 20 سنة، استقلت سيارة تاكسي من المطار إلى الحمرا، أخذ السائق منها خمسين دولاراً، واعطاها وصلاً بالمبلغ، بينما التعرفة الرسمية هي 25 دولاراً، وهي برأيي مرتفعة. واعطاها وصلاً أيضاً بخمسين دولار. إلى هذه الدرجة هو مرتاح. أصلاً، في الدلائل السياحية تقرأ: خذ حذرك من التاكسي في مطار بيروت. العالم صار ضيعة ومثل هذه القصص تنتشر من الفايس بوك فصعوداً.
[ لكن ارتفاع الاسعار سيلاحق السائح أينما ذهب، وليس في التاكسي فحسب.
ـ نحن في بلد تنافسي. هناك الغالي والرخيص. عدم وجود الشفافية والسرقة هو المزعج. القطاع الخاص ليس أفضل كثيراً. هناك معركة طويلة عريضة، وقاموا عليّ لأنني طلبت أن توضع لائحة الاسعار في الخارج. نحن نقول، للبنانيين والسياح، لا تقبلوا بأن يكون صحن الحمص بخمسة آلاف ليرة، ثم يضاف إليه 10 بالمئة ضريبة القيمة المضافة، و17 بالمئة خدمة، و3 دولارات أغطية للطاولات، وإن حدث معكم هذا أخبرونا. السعر الذي تراه هو الذي تدفعه. الخمسة آلاف يجب أن تشمل كل شيء. إذا وضع النادل عبوّة المياه على الطاولة من دون ان يسأله الزبون، ومن دون أن يبلغه النادل أن سعرها ثلاثة آلاف ليرة، فللزبون الحق بألا يدفع ثمنها.
صلاحيات
[ يمكن لوزارة السياحة معالجة مشاكل السياحة؟
ـ حين أعرف ما هي صلاحيات وزير السياحة (يضحك). مذ تسلمت الوزارة وانا احاول تعلم صلاحياتي. القانون يقول إنني مسؤول عن السائح مذ تطأ قدماه ارض لبنان. لكن أمن المطار يمنع الشرطة السياحية من دخوله. لا صلاحيات للشرطة السياحية في المطار؟ أين تكون صلاحياتها إذاً؟ لا أعرف...
[ ما هو عديد الشرطة السياحية؟
ـ خمسة وعشرون عنصراً. هذا ما يُسمى المضحك المبكي.
[ إلى كم عنصر تحتاجون؟
ـ أنا أطالب بـ 300 عنصر (يفرزون من قوى الأمن الداخلي)، على ان يكون اكثر من نصفهم من النساء. هؤلاء القمع يقع في أدنى اولوياتهم. عملهم يجب أن يكون في الارشاد والتوجيه. للوزارة خط ساخن للشكاوى السياحية، هو 1735. لا يوجد من يجيد الانكليزية ممن يجيبون على هذا الخط الذي يمكن أن يكون للاستعلامات السياحية ايضاً. لذا فنحن بحاجة لشرطة سياحية من النساء، ومن المتعلمين تحديداً. الى نساء ومن مستوى تعليمي رفيع.
[ أنت في معركة صلاحيات إذاً؟
ـ بالطبع. قلت إن السياحة هي تفاصيل صغيرة. وأنا، إذا طرحت قضية منع التدخين في المطار في جلسة مجلس الــــوزراء، أنظر في الوجوه فأراها تتلفت مستغربة، «إنو ليــــكو بشو باله.. نحنا عنا الانتخابات الـــبلدية هلأ.. 18 و21 .. جايـــي يحكينا عن الدخان والحمال؟».
وزارة السياحة هي كالولد المسكين في الصف. كل واحد يدخل يصفعه على وجهه. هذه القصة سأنتهي منها. انا مسؤول عن نحو ربع الدخل القومي في البلد. انظر إلى مدخل مبنى الوزارة. أليس مخجلاً استقبال سفير هنا؟ عيب! السياحة اهم مصدر للدخل في لبنان، يجب ألا تعامل كذلك.
قصة الصلاحيات هي قضية كبيرة بالنسبة إلى الوزراء. تعدد الصلاحيات أثره سلبي على الجميع. الأردن يستقبل 250 الف اسباني في السنة. كم برأيك دخل الاردن من السياحة الطبية: خمسة مليارات دولار.. في المقابل، لا يدخل إلى لبنان أكثر من مئة مليون دولار نتيجة السياحة الصحية. تعرف لماذا؟ لأن لا وزارة مسؤولة. وزارة الصحة عملها المستشفى. لكن ليس شأنها ان تنظم معارض صحية في العالم. ينبغي أن يكون هناك مكتب واحد للسياحة الصحية، ولو بالتنسيق بين طرفين وله موازنة.
يجب ان أعمل والصلاحيات واضحة ومحددة وصريحة. الى الآن أنا لا أعرف من المسؤول عن الطلب من سائق التاكسي في المطار الالتزام بالقميص الازرق والبنطلون الكحلي. اتحدى ان تعرف صلاحية من هذه؟ لدينا موقع على الانترنت، وهو موقع جامد، لأنني ممنوع من صفحة تجارية أضع فيها إعلانات. جد لي الفذلكة القانونية لإنشاء موقع الكتروني له قيمته.
كان لدينا المجلس الوطني للإنماء السياحي، رئيسه، شارل الحلو الذي صار في ما بعد رئيساً للجمهورية. كانت الشرطة السياحية ترجّف نصف بيروت. إذا وجدت الشرطة السياحية مطعماً مخالفاً كانت تختمه بالشمع الأحمر. الآن نحرر له مخالفة فيذهب إلى القضاء ليغرمه بخمسين الف ليرة!
الآن نحن نعمل من أجل مجلس مماثل بنسخة للقرن الواحد والعشرين. مجلس لا يسوق للسياحة بل للبنان. ومجلس إدارته كله من القطاع الخاص الذي اريد ادخال روحه إلى الوزارة.
[ من يموله؟
ـ مناصفة بين الدولة والقطاع الخاص نفسه.
[ الموسم السياحي المقبل
ـ الموسم السياحي صار على الأبواب؟ كيف تتوقعه؟
سيكون أقوى من الفائت بنسبة عشرين في المئة.
[ هل سيتــحمل لبنان الازدحــــام الخـــانق للموسم الفائت، زائداً عليه عشرين في المئة؟
ـ المشــــكلة في بيروت وليست في لبنان. فنادق المتن وكسروان مثلاً لم تتجاوز حجوزاتها الخمسين في المئة حتى صيفاً. لذلك نركز من الآن بالطـــلب من وكالات السياحة والســـفر على السلة. كــــم يحتاج الواحد من بكفيا إلى وسط البلد؟ اربعـــين دقيقة. والباص يحـــمل ثلاثين راكباً، تأخذهم إلى بعلــــبك وفي اليوم الآخر إلى جبيل، وهكذا. تعالج بذلك أزمة الســـير، هذه هي السياحة التي تستطيع تنظيــمها. وانا أعمل حــتى العاشرة ليلاً كل يوم.
غير أنه يبدو جدياً في إصراره على تغيير الصورة. تغيير ينطلق من «معركة» صلاحياته، هو المسؤول قانوناً عن السائح ما إن تطأ قدماه لبنان، و«معركة» صلاحيات الشرطة السياحية التي يبلغ عديدها 25 عنصراً من المفترض ان يعملوا على كامل مساحة البلد، وهو المضحك المبكي بحسبه. لكن التغيير الأساسي هو في مأسسة القطاع السياحي، ومثله على هذا يأتي من المصنع: لا أحد يبتاع آلة تعمل ثلاثة أشهر وتتوقف في الأشهر المتبقية. كذلك، فإن السياحة يجب أن تنشط 365 يوماً في السنة، في كل لبنان، وليس حصراً على العاصمة فحسب. عبود يسعى إلى إنماء سياحي يمنع عن الفنادق في طرابلس وصور وحتى الجبل والمتن وكسروان، الخواء الذي تشهده في غير موسم الصيف، هي التي لا تبلغ نسبة الحجوزات فيها، حتى صيفاً، اكثر من خمسين بالمئة.
الافكار في جعبته كثيرة. أنواع السياحة الكثيرة التي يجب تقويتها والتسويق لها: الصحية والدينية والتراثية والشتائية.. كل ما من شأنه تدوير عجلة يقول عبود إنها مسؤولة عن ربع الدخل القومي للبلد. مع ذلك، فإن الأساس بالنسبة إليه هو في تغيير ثقافة «التشاطر» (أو التذاكي) عند بعض اللبنانيين من السائق إلى صاحب المطعم. هذه الثقافة التي تنقلب على صاحبها أولاً، وعلى صيت بلد تحذر الكتب السياحية من سيارات أجرة المطار فيه. وهناك ذهنية لبنانية أخرى للسياحة يعارضها عبود، هي أن لبنان بلد سياحي للأغنياء فحسب. يقول إن السائح الأوروبي، مثلاً، الذي يأتي وفي جيبه الف دولار ليصرفها في اسبوع، هو في المكانة ذاتها للسائح المليونير، وينبغي على البلد ان يؤمن لهذا السائح العادي متطلباته كلها والتي تبدأ من النقل العام المفقود في مطار رفيق الحريري الدولي.
السياحة هي مجموعة من التفاصيل الصغيرة، يقول فادي عبود في حواره مع «السفير». ويضحك بينما يشرح أنه حين ينقل هذه التفاصيل الصغيرة إلى مجلس الوزراء، وهي هموم حقيقية للسياحة، يجد بعض زملائه متلفتاً يستنكر هذه الهموم الصغيرة في ظل القضايا الكبرى.
لن تبقى وزارة السياحة تلميذ الصف الضعيف المسكين، هذا ما يعد به الصناعي، وزير السياحة.
[ ما معنى «صناعة سياحية»؟
ـ لم اخترع هذا المصطلح. العالم كله يعتبر هذا القطاع صناعة. السياحة في لبنان بحاجة إلى مأسسة نفتقدها. اذا ذهبت إلى فندق في بيروت وسألته عن المحجوز في آب، يقول لك لا شيء. الحجز على طريقتنا يكون قبل يومين فحسب. مأسسة السياحة تكون عبر السلة المتكاملة (package deal)، ومن خلال توزيع اقامة السياح الآتين عبر مثل هذه الاتفاقات على جميع الاراضي اللبنانية وفي كل ايام السنة. الصناعي لا يشتري آلة تعمل لثلاثة اشهر لتنام في الاشهر الباقية. هذه هي المعادلة.
نحن البلد الوحيد الذي تشكل الرحلات السياحية المنظمة ضمن سلة متكاملة، من الرحلة إلى الفندق إلى الوجبات والجولات السياحية، تشكل ثلاثة في المئة من السياحة فيه. لا يوجد بلد آخر في العالم كذلك. الاساس في السياحة هي هذه السلة.
[ لماذا هذا النوع ليس رائجاً لدينا؟
ـ الاسباب عديدة. لدينا أمر فريد هو أن فنادق بيروت الطلب عليها اكثر من العرض، ولا يمكن أن تتفق مع الفنادق على سلة متكاملة، ما دام الطلب أكثر من العرض. الفندق ليس مضطرا إلى حجز خمسين غرفة طوال السنة مجمداً سعر هذه الغرف. في المقابل، لا يمكن للفندق ان يخبر منظم الرحلات أن اسعار الغرف سترتفع في الصيف. اذا اراد المنظمون وضع الفنادق على لوائحهم فعلى هذه أن تبقي على السعر الذي اتفقت معه عليه مسبقاً. وهؤلاء المنظمون يسألون الآن، لماذا أنشط فنادق المحافظات، وحين تصير قوية لا تعود تهتم بنا. هذا تفكير خاطئ بدوره، لأن المنظمين الأجانب قد يسبقون المحليين إلى هذه الفنادق ويستغلونها. ما هو الواقع الآن؟ ثمة فندق مهم جداً، في مدينة صور مثلاً، يظل كل الشتاء فارغاً. نحن الآن نركز تركيزا أساسياً على المناطق. علينا جلب السياح شتاءً وصيفاً. ينزلون في فنادق في صور وطرابلس والمعاملتين والجبل، يدفعون تكلفة ليست كبيرة، ينزلون في فنادق هذه المدن، ويجولون على كل لبنان.
مشكلتنا كلبنانيين أننا اقنعنا أنفسنا بأننا صالحون للسائح المليونير فقط، وليس مثلاً للأوروبي الذي في جيبه الف دولار يريد صرفها في اسبوع سياحة هنا. هذا لا يحق لنا ان نقول له «عمره لا يرجع». هو يوزاي المليونير اهمية. لكن، هل هناك مطار آخر في العالم لا يوجد فيه نقل عام؟ لا بوسطة ولا قطار.
[ ماذا عن المشاكل الأخرى التي يعانيها القطاع؟
ـ كثيرة. السياحة هي مجموعة من التفاصيل الصغيرة. إليك مثلاً: في مطار رفيق الحريري الدولي، تظل تسمع صوتاً يقول إنه يمنع التدخين في غير المناطق المخصصة. هل يعرف أحد أين هي المناطق المخصصة للتدخين؟ اتصلت سائحة انكليزية بنا تخبرنا أنها سألت عسكرياً في المطار: لماذا تذيعون عن الاماكن المخصصة للتدخين وهي ليست موجودة، وأنت عسكري وتدخن. قال لها: smoke smoke don’t worry (دخني دخني. لا تقلقي). ظن أنها تسأله اين يفترض بها أن تدخن. هذه سائحة. أي صورة ستأخذها عن لبنان. ويذيعونها بلغات متعددة. الانكى أن التحذير يذاع بثلاث لغات، «نان سموكينغ قال.. وبالانكليزي!». وكل ما نحتاج إليه هو غرفة زجاجية خمسة أمتار بخمسة.
وايضاً، يقولون، «خدمة الحمال من دون مقابل»، جرّب أن تكون هذه الخدمة من دون مقابل. قد يصعد معك إلى السيارة ما لم تدفع له.
هناك طالبة عمرها 20 سنة، استقلت سيارة تاكسي من المطار إلى الحمرا، أخذ السائق منها خمسين دولاراً، واعطاها وصلاً بالمبلغ، بينما التعرفة الرسمية هي 25 دولاراً، وهي برأيي مرتفعة. واعطاها وصلاً أيضاً بخمسين دولار. إلى هذه الدرجة هو مرتاح. أصلاً، في الدلائل السياحية تقرأ: خذ حذرك من التاكسي في مطار بيروت. العالم صار ضيعة ومثل هذه القصص تنتشر من الفايس بوك فصعوداً.
[ لكن ارتفاع الاسعار سيلاحق السائح أينما ذهب، وليس في التاكسي فحسب.
ـ نحن في بلد تنافسي. هناك الغالي والرخيص. عدم وجود الشفافية والسرقة هو المزعج. القطاع الخاص ليس أفضل كثيراً. هناك معركة طويلة عريضة، وقاموا عليّ لأنني طلبت أن توضع لائحة الاسعار في الخارج. نحن نقول، للبنانيين والسياح، لا تقبلوا بأن يكون صحن الحمص بخمسة آلاف ليرة، ثم يضاف إليه 10 بالمئة ضريبة القيمة المضافة، و17 بالمئة خدمة، و3 دولارات أغطية للطاولات، وإن حدث معكم هذا أخبرونا. السعر الذي تراه هو الذي تدفعه. الخمسة آلاف يجب أن تشمل كل شيء. إذا وضع النادل عبوّة المياه على الطاولة من دون ان يسأله الزبون، ومن دون أن يبلغه النادل أن سعرها ثلاثة آلاف ليرة، فللزبون الحق بألا يدفع ثمنها.
صلاحيات
[ يمكن لوزارة السياحة معالجة مشاكل السياحة؟
ـ حين أعرف ما هي صلاحيات وزير السياحة (يضحك). مذ تسلمت الوزارة وانا احاول تعلم صلاحياتي. القانون يقول إنني مسؤول عن السائح مذ تطأ قدماه ارض لبنان. لكن أمن المطار يمنع الشرطة السياحية من دخوله. لا صلاحيات للشرطة السياحية في المطار؟ أين تكون صلاحياتها إذاً؟ لا أعرف...
[ ما هو عديد الشرطة السياحية؟
ـ خمسة وعشرون عنصراً. هذا ما يُسمى المضحك المبكي.
[ إلى كم عنصر تحتاجون؟
ـ أنا أطالب بـ 300 عنصر (يفرزون من قوى الأمن الداخلي)، على ان يكون اكثر من نصفهم من النساء. هؤلاء القمع يقع في أدنى اولوياتهم. عملهم يجب أن يكون في الارشاد والتوجيه. للوزارة خط ساخن للشكاوى السياحية، هو 1735. لا يوجد من يجيد الانكليزية ممن يجيبون على هذا الخط الذي يمكن أن يكون للاستعلامات السياحية ايضاً. لذا فنحن بحاجة لشرطة سياحية من النساء، ومن المتعلمين تحديداً. الى نساء ومن مستوى تعليمي رفيع.
[ أنت في معركة صلاحيات إذاً؟
ـ بالطبع. قلت إن السياحة هي تفاصيل صغيرة. وأنا، إذا طرحت قضية منع التدخين في المطار في جلسة مجلس الــــوزراء، أنظر في الوجوه فأراها تتلفت مستغربة، «إنو ليــــكو بشو باله.. نحنا عنا الانتخابات الـــبلدية هلأ.. 18 و21 .. جايـــي يحكينا عن الدخان والحمال؟».
وزارة السياحة هي كالولد المسكين في الصف. كل واحد يدخل يصفعه على وجهه. هذه القصة سأنتهي منها. انا مسؤول عن نحو ربع الدخل القومي في البلد. انظر إلى مدخل مبنى الوزارة. أليس مخجلاً استقبال سفير هنا؟ عيب! السياحة اهم مصدر للدخل في لبنان، يجب ألا تعامل كذلك.
قصة الصلاحيات هي قضية كبيرة بالنسبة إلى الوزراء. تعدد الصلاحيات أثره سلبي على الجميع. الأردن يستقبل 250 الف اسباني في السنة. كم برأيك دخل الاردن من السياحة الطبية: خمسة مليارات دولار.. في المقابل، لا يدخل إلى لبنان أكثر من مئة مليون دولار نتيجة السياحة الصحية. تعرف لماذا؟ لأن لا وزارة مسؤولة. وزارة الصحة عملها المستشفى. لكن ليس شأنها ان تنظم معارض صحية في العالم. ينبغي أن يكون هناك مكتب واحد للسياحة الصحية، ولو بالتنسيق بين طرفين وله موازنة.
يجب ان أعمل والصلاحيات واضحة ومحددة وصريحة. الى الآن أنا لا أعرف من المسؤول عن الطلب من سائق التاكسي في المطار الالتزام بالقميص الازرق والبنطلون الكحلي. اتحدى ان تعرف صلاحية من هذه؟ لدينا موقع على الانترنت، وهو موقع جامد، لأنني ممنوع من صفحة تجارية أضع فيها إعلانات. جد لي الفذلكة القانونية لإنشاء موقع الكتروني له قيمته.
كان لدينا المجلس الوطني للإنماء السياحي، رئيسه، شارل الحلو الذي صار في ما بعد رئيساً للجمهورية. كانت الشرطة السياحية ترجّف نصف بيروت. إذا وجدت الشرطة السياحية مطعماً مخالفاً كانت تختمه بالشمع الأحمر. الآن نحرر له مخالفة فيذهب إلى القضاء ليغرمه بخمسين الف ليرة!
الآن نحن نعمل من أجل مجلس مماثل بنسخة للقرن الواحد والعشرين. مجلس لا يسوق للسياحة بل للبنان. ومجلس إدارته كله من القطاع الخاص الذي اريد ادخال روحه إلى الوزارة.
[ من يموله؟
ـ مناصفة بين الدولة والقطاع الخاص نفسه.
[ الموسم السياحي المقبل
ـ الموسم السياحي صار على الأبواب؟ كيف تتوقعه؟
سيكون أقوى من الفائت بنسبة عشرين في المئة.
[ هل سيتــحمل لبنان الازدحــــام الخـــانق للموسم الفائت، زائداً عليه عشرين في المئة؟
ـ المشــــكلة في بيروت وليست في لبنان. فنادق المتن وكسروان مثلاً لم تتجاوز حجوزاتها الخمسين في المئة حتى صيفاً. لذلك نركز من الآن بالطـــلب من وكالات السياحة والســـفر على السلة. كــــم يحتاج الواحد من بكفيا إلى وسط البلد؟ اربعـــين دقيقة. والباص يحـــمل ثلاثين راكباً، تأخذهم إلى بعلــــبك وفي اليوم الآخر إلى جبيل، وهكذا. تعالج بذلك أزمة الســـير، هذه هي السياحة التي تستطيع تنظيــمها. وانا أعمل حــتى العاشرة ليلاً كل يوم.