وهكذا أيضا تزوجت المسلمة من مسيحي عند الشيخ
هل آن الأوان لتعلو صرخة المجتمع المدني محركة ثبات بعض السياسيين الذين يجاهرون علناً بموافقتهم على اقرار الزواج المدني الاختياري دون ان يحركوا ساكنا لتفعيل ملفه عبر اقتراح او طرح مشروع قانون أو تواطؤ في دعم حملة تشبيك لجهود المجتمع الاهلي المناضل لاقرار هذا القانون؟
هل يخاف رجال الدين والسياسيون في معرض رفضهم للقانون من غلبة عددية لهذه الطائفة او تلك؟ ألا يعرفون أن امعانهم في الرفض يؤسس لنتائج سلبية (وفق معاييرهم) قد تفوق سلبية اقرار الزواج المدني؟ .
هكذا بات يتزوج المسيحي عند الشيخ ويقول اسلمت، ويتزوج المسلم في الكنيسة ويقول اعتنقت المسيحية، قبل ان يسجل ابنه في دوائر الاحوال الشخصية وفقا لمذهبه، وقبل ان يدفن في مقبرة قريته! . هكذا يبحث العروسان من دينين مختلفين، من غير القادرين على بلوغ قبرص، عن فتوى واجتهاد لعقد قرانهما مرة عند شيخ ومرة عند كاهن!
هكذا ايضا كان إجتهاد المفتي علي الأمين بجواز عقد قران مسلمة ومسيحي وفق الشريعة الاسلامية على القاعدة نفسها التي تبيح زواج المسلم من مسيحية، كان الحل للعروسين الذين لم تتح لهما الظروف بلوغ قبرص، والأهم أنهما ارادا ارضاﺀ منظومتيهما الاجتماعية من نا حية العروس التي كتبت كتابها لكن اولادها سيكونون مسيحيين في سجلات دوائر النفوس.
ديانا سكيني
كــان لتشدد المستويين الديني والسياسي فــي رفــض اقـــرار الـــزواج المدني الاختياري آثار كبيرة قدلا يكون قد حان الزمن بعد لرصدها بوسائل علمية خصوصا اذا كان الحديث عن احصاﺀات انتقال لبنانيين من دين الى آخر، وهو الأمر الذي كرس مفاعيل سلبية تفوقت على تلك التي كانت ستنتج فيما لو تم اقرار هذا الزواج وفقا لمعايير رجال الدين.
فما يصح وصفه بالتحايلُ على قوانين الأحوال الشخصية بات ظاهرة متفشية في المجتمع اللبناني، وهي تؤسس لحقائق جديدة يراها البعض ويصمت او انه لا يراها اصلا.
البحث عــن الــمــخــارج الــتــي تتيح للزوجين الارتباط وفق الشروط التي ترتضيها المنظومة الاجتماعية ارضاﺀ اهل العروسين، لا بل ايضاً الظروف الاقتصادية، إذا كان الحديث عن عدم التمكن من تكبدتكاليف الزواج المدني في قبرص والرغبة في عدم مواجهة اصطدامه بقوانين الاحوال الشخصية اللبنانية، مستقبلا هذا التحايل بات يتخذ وجوها متعددة.
هــكــذا قـــد تــجــد شـــابـــاً مسلما يصرح لاحد الكهنة انه يريد اعتناق المسيحية من اجــل الــزواج بحبيبته المارونية، فيتمم الكاهن زواجهما الكنسي على هذا الاساس، تمر سنتان ينجب خلالها الزوجان ويتم تسجيل الطفل في دوائر الاحــوال الشخصية على أنه مسلم!
بــالــطــبــع، قــــام الــكــاهــن بــتــزويــج العروسين في هذه الحالة على أنهما مسيحيين. ذلك أن الديانة المسيحية لا تتيح الزواج الكنسي للمسيحي من مسلمة او للمسيحية من مسلم بشكل مطلق.
أما في الإسلام، فتكثر الإجتهادات التي تتيح زواج المسلم من مسيحية فيما الفتاوى التي تتيح زواج المسلمة من مسيحي يصح القول انها نادرة جــــدا، وهـــي ان وجــــدت فــالــتــيــارات الاعتراضية التي تقابل بها تعتبر جمة. هكذا وصــل الامــر الــى تكفير حسن الترابي في السودان لفتوته التي اجازت هذه الزيجة.
وفــي لبنان، يعتبر عــدد المشايخ الذين يقومون بعقد قران المسلمة على مسيحي قليل جدا.
المفتي علي الأمين من بين قلة من العلماﺀ الشيعة الذين اقروا مبدأ زواج مسلمة من كتابي، علما ان الاجماع بين الفقهاﺀ المسلمين على هذا الرفض اعتبر في الماضي دليلاً شرعياً على عدم جوازه.
ووفق رؤية المفتي الأمين، فان هذا الإجماع يعتبر دليلا صامتا وليس دليلاً ناطقاً "لنأخذ بعمومه أو خصوصه، فيؤخذ بالقدر المُتﱠيقن الذي يكشف عنه الإجماع يقيناً وأما ما زاد على ذلك فلا يكون الإجماع دليلاً عليه وليس حجةً فيه". كماان الإجماع يخضع لحركة الإجتهاد ولا يكون مــؤداه نهائياً ولا يجعل الباب مغلقاً حول هذه المسألة وأمثالها لأن الاجتهاد لا يعطي صفة الــقــداســة والنهائية للنتائج التي يتوصل إليها المجتهد كونها تعبر عن فهم خاص به.
امــا الفتاوى فهي "نتائج لحركة الإجــتــهــاد وليست نــصــوصــاً دينية بالمعنى التشريعي والمقدس، وفهم النص الديني ليس من المقدسات التي لا يجوز تجاوزها. من هنا، يمكن للفقيه النظر في هذه المسألة مجدداً رغم تداول المنع بين الفقهاﺀ فيناقش في هذا الإجماع المدعى وأنه مختص بحالة الرفض لمعتقد المرأة المسلمة وعدم احترامه لها". واذا ما عدنا الى مفهوم زواج المسلم من الكتابية، فانه قائم على اساس إحترام معتقد الزوجة لأن المسلم "لا يكون مسلماً إلا إذا آمن بعيسى المسيح والنبي موسى وسائر الأنبياﺀ، وقد جاﺀ في القرآن الكريم ما ينفي صفة الرفض للإسلام كدين سماوي عن أهل الكتاب".
ويشرح المفتي في احدى محاضراته في جامعة هلسنكي: انك قد تحترم ديناً ولكنك لا تعتقد به وقد تؤمن به كدين سماوي من دون أن تعمل بأحكامه وفي القرآن الكريم إشارة إلى هذا المعنى: وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنــزل إليكم ما أنــزل إليهم خاشعين لله ولا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب (سورة آل عمران- آية-199- وأيضاً قوله تعالى: ) ولــتــجــدنّ أقربهم مـــودةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون سورة المائدة - آية -82-.
والحاصل أنه عندما يكون هناك احــتــرام مــتــبــادل للعقائد والأديـــان السماوية، لا تكون هذه الحالة مشمولة للإجماع المدعى كما أنها غير مشمولة للحكمة المستفادة من المنع القائم في تزويج المشركات والمشركين وهي حكمة الإستقرار حفاظاً على الاستمرار في العلاقة الزوجية".
هــذا المعطى الديني مضافا الى ثابتة مساواة المرأة والرجل التي يقول بها القرآن الكريم، يصحان منطلقا "لمقتضيات أصول البحث العلمي في عملية استنباط الحكم الشرعي وقد رأينا أن بعض الفقهاﺀ يستند في المنع من الزواج المختلط إلى آية المنع عن التزاوج مع المشركين ويفتي في نفس الوقت بجواز زواج الرجل المسلم من المرأة الكتابية وفي هذا تناقض واضح وخروج عن النهج المألوف في عملية الاستنباط للأحكام الشرعية وهذا الاستدلال الضعيف يدلنا على أن الإجماع الُمدﱠعى يستند إلى وجهٍ ضعيف ومايستندإلى الضعيف يكون ضعيفاً ولا أقل من الإحتمال فيبطل حينئذٍ الإســتــدلال ويؤخذ بالمقدار الذي يكشف عنه الإجماع على سبيل الجزم واليقين وهي صورة عدم الإحترام المتبادل بين الطرفين على مستوى العقائد والأديان السماوية".
توضح هذه المسألة، وفق المفتي الامين، إمكان تجاوب عملية الإستنباط مــع المسائل المستحدثة مــن دون التخلي عن النصوص الدينية.
وينطلق المفتي في فلسفته الاجتهادية من كون "الامر الذي يجعل من التشريع الإسلامي ماضياً وحاضراً يتناول بأصوله وقــواعــده ونصوصه المسائل المستحدثة. هو العقل. حيث إن الفقهاﺀ عندنا يعتبرون العقل من مصادر التشريع الهامة وهــم قالوا إذا تعارض الدليل النقلي مع الدليل العقلي فــإن التقديم يكون لدليل العقل وقد جاﺀ في القرآن الكريم وفي كثير من الأحاديث الدينية التأكيدعلى مكانة العقل وتجديد النظر والفكر في المسائل والقضايا الموروثة والتي قد يعتبرها البعض من الأمور اليقينية التي لا تحتاج إلى الإستدلال كونها أصبحت جزﺀاً من الفكر والسلوك".
يذكر أن عــدد من العلماﺀ الذين كانوا يقومون بعقد قــران المسلمة من مسيحي وفق الشريعة الاسلامية أحجموا عن الأمر بسبب الاعتراضات الكثيرة التي واجهتهم من بيئتهم الدينية التي عارضت اشد معارضة عقد القران وخصوصا، في ظل انتقال الاولاد الى ديانة والدهم بحكم بالامر الــواقــع والــقــدرة التحكمية لقوانين الاحوال الشخصية في لبنان، ناهيك عن الطائفية المتغلغلة في فلسفة ادارة الحكم والتوافق حول القوانين واقرارها.