حنا غريب: نحن العسكر الأخير

حنا غريب: نحن العسكر الأخير

 

ديانا سكيني-البلد-
هو من المؤمنين بتقدم الموضوع النقابي على ذلك السياسي في إطار النضال اليومي الهادف الى التغيير الذي تبدأ


حلقاته بالتكاثر كلما سادت الأوضاع الصحية النقابات المهنية التي تجعل من كل عامل يدرك كيفية تحصيل حقوقه بدﺀا من رب العمل وصولا الى مراكز القرار السياسي.

الأوضاع الصحية تعني بكل بساطة ان تنجح نقابة ما في لبنان في تحييد حركتها المطلبية عن آفتي الطائفية والتسييس، وهو الامر الذي تزعم، وباعتراف كثر، رابطة اساتذة التعليم الثانوي التي يرأسها حنا غريب بتكريسه وترجمته من خلال نجاح اضراباتها وصحة معايير انتخاباتها في زمن الانقسام السياسي والموت السريري الذي يعانيه الجسم النقابي.

يعيد غريب الامر الى رعيل الاساتذة ذوي البنية الاجتماعية والفكرية العلمانية والديمقراطية الذي نجحت كلية التربية برفد البلاد به خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي، وهو الرعيل الذي قارب رصيده على الانتهاﺀ ما يهدد بانضمام كيانه النقابي الى البؤرة الموبوﺀة.

هنا سيرة تروي رحلة ذلك الصبي العكاري الذي صارع الفقر ليدرك "الترقي الاجتماعي" وتمرد على الاقطاع لينخرط في ثورة تغيير نجحت واخفقت حتى شارفت على فقدان رصيدها الفكري.


ديانا سكيني

الــفــقــر لـــون كــل مــا حــولــي خــلال الطفولة، الا ان الصورة الاكثر انطباعا واثراً في ذاكرة تلك الطفولة المجبولة بفقر الحال تبقى صــورة امــي التي توفيت والدتها وهي طفلة فتزوج والدها وارسلها لتخدم في البيوت قبل ان يقذف بها القدر الى الزواج برجل فقير هو جندي في الجيش اللبناني.

أحبت امي التعليم وارادت تعويض كل ما حرمت منه من خلال زرعه فينا انــا واخــوتــي الاربــعــة. كــانــت تقول بكل بساطة انتم لا تملكون الذهاب الى افريقيا ككثير من ابناﺀ القرية وليس من سبيل للترقي الاجتماعي امامكم سوى التعليم. دخلت مدرسة راهبات القبة، وبعد أن تقاعد أبي عدنا للسكن في رحبة وتابعت التعليم في المدرسة الابتدائية حيث كانوا يستأجرون غرفة في رأس الضيعة نذهب اليها سيرا في الشتاﺀ القارس ملتحفين فقرنا وطموحنا في آن.

كان لدينا أستاذ شيوعي يدعى الياس برهون في فترة نهوض العمل الديمقراطي فــي الستينات. كان يدرسنا كافة المواد ويكلمنا عن الوضع الاجتماعي والــفــقــر. حينها اخــذت اتــشــرب الافــكــار المتصلة بالصراع الطبقي، وكــنــت دائــمــا اقـــارن بين اصدقائي ابناﺀ المغتربين في افريقيا وبيني واقراني من الفقراﺀ المعدمين.
اخذ الاستاذ يدعونا الى لقاﺀ اسبوعي في منزله حيث نتحلق حوله بينما يسهب فــي شــرح كتاب الرأسمال لــكــارل مــاركــس وكيفية استثمار الانــســان لأخــيــه الانــســان ونظريات اقتصادية وتلقين للمادية التاريخية والجدلية. وكنا في تلك الفترة نشهد بداية اعادة تأسيس الحزب الشيوعي اللبناني في رحبة.

وكنت مع رفاقي في نهاية المرحلة المتوسطة من ضمن الحملة التي ساهمت باستنهاض وضــع الحزب في القرية التي شهدت فترة نهوض حزبي حيث تواجد الكتائب والقومي اضــافــة الــى بلوك التقليد الاقطاعي الذي يؤيده اهلي. حينَها كانت تصلنا المجلات مــن الإتحاد السوفياتي فنقوم بتوزيعها على الطلاب، وما زلت أتذكر مدى تأثري بصورة لفالنتينا تريشوفا.

الاعتياد على الانتظام ضمن مجموعة كان في رحبة ايضا حيث اسس استاذي الياس برهون النادي الثقافي الرياضي الذي تصارعت عليه الاحزاب وقمنا بحسم المعركة من خلال دخولنا اليه نحن طــلاب الــرابــع متوسط حيث شكلنا الخلية التثقيفية الماركسية.

وجــســد الـــنـــادي ســاحــة للعمل الاجتماعي والرياضي والتنموي في القرية، واول محطة للاتصال مع العمل الجماهيري العام، والانجاز الاول تمثل بحفر طريق مــا بين الطريق العام وساحة القرية والبالغة مساحتها قرابة 3 الـ الى 4 كلم حيث جمع النادي اموالا لتسويتها وعملنا فيها مع الاهالي طيلة الصيف. وحينها رفع علينا رئيس البلدية الاقطاعي دعوى لاننا لم نأخذ اذنا منه. وشكل انجازها عرسا وفرحا لا مثيل له. هذه المحطة الرمزية ستتابع فــي ثــانــويــة حلبا الــتــي سأقصدها لاتمام دروسي الثانوية وهناك ايضا سيكون لاستاذ التربية ذي التوجه القومي الناصري اثر في تدريبنا على العمل النقابي الذي عرف ذروته في تلك الفترة من خلال الاتحاد الوطني للجامعة اللبنانية الذي كان يناضل من اجل حرية التعليم وتأمينه لكافة الفقراﺀ والمطالبة بكليات تطبيقية.

في هذا المناخ الجارف، في بداية السبعينات حدث اضراب المعلمين على اثر قرار صرف 309 من الاساتذة بقرار من رئيس الجمهورية سليمان فرنجية وبينهم استاذي الياس برهون الذي قاد المعركة النقابية في الاضــراب.

وكنا نحن في ثانوية حلبا جنوده على الارض حيث اضربنا وقطعنا الطريق الـــذي يــربــط بــيــن طــرابــلــس وعــكــار، وحينها انتهت المعركة بالعودة عن قرار الصرف الذي طال غالبية من الاساتذة الشيوعيين. وفي تلك الفترة كان الاستاذ سعدالله سابا يقيم لنا حلقات تثقيف نقابي وسياسي شارحا عن الاضرابات وما تحقق ومن يقف معها وضدها.

دخلت الحزب في مطلع السبعينات تزامناً مع نزولي الى العاصمة وحينها تعرفت الى سعدالله مزرعاني وانور الفطايري وغيرهما، ودخلت اتحاد الشباب الديمقراطي في الجامعة.

ومع بدﺀ الحرب، تدربت كباقي الشباب تدريباً عادياً على الإسعافات الأولية والدفاع المدني وبعدها تلقيت كسائر الشباب في الإتحاد تدريبات عسكرية خفيفة لكني لم اقاتل على جبهات بل حرست مراكز الحزب ومؤسساته، وفي مرات قليلة وقفت على جبهات في الجنوب في رب التلاتين ولكن لوقت محدود.

عملت لعشر ســنــوات فــي اتحاد الشباب وترأسته لفترة خمس سنوات.

عملت في الدفاع المدني عن بيروت في 1982 مع بدايات تأسيس جبهة المقاومة اللبنانية حيث كنا نؤمن لجان الدعم وكانت معنا سهى بشارة وغيرها، وسقط لنا الكثير من الرفاق شهداﺀ. بدأت العمل النقابي الحزبي في العام 1985 بعد مغادرة الاتحاد وتكليفي مسؤولية قيادة المعلمين فــي الــحــزب حيث كنت اصغرهم.

وصقلت قدراتي حينها على يد رعيل نخبوي امثال مــاري الدبس ووليد حشيشو وفـــوزي نعمة وعصمت الــقــواص وعــبــد الــقــادر معصراني وابراهيم الراسي، الذين كانوا عبارة عن فريق رائــع في العمل النقابي.

Reference: Facebook.com