واحد وثلاثون كمبيوتر نقّال...وزيراً

ثائر غندور -

يُعدّ خليفة الناطق الرسمي باسم الرئيس نبيه برّي (أرشيف ــ هيثم الموسوي) بعد نحو سنة على نيل الحكومة ثقة مجلس النواب، يظهر أن رئيس الحكومة يفتقد الوزراء السياسيين، وأن عدداً لا بأس به من الوزراء لا يتجاوز دوره رفع اليد موافقاً، أو الاحتفاظ بها في جيبه إعلاناً عن عدم الموافقة

عدد وزراء الحكومة، نظرياً، هو ثلاثون وزيراً. أمّا خلال اجتماعات مجلس الوزراء، فيتناقص هذا العدد إلى درجة لا يتجاوز عشرة وزراء. البقيّة لا تغيب جسدياً عن تلك الطاولة التي ينتشر عليها واحد وثلاثون كمبيوتر نقّال (لابتوب)، بل يغيب وجودها الحسّي.

فرئيس الحكومة يُمارس صلاحيّاته بغياب أي وزير من كتلته، يقول بعض الوزراء، إذ إن وزراء تيّار المستقبل (حسن منيمنة، محمد رحّال، ريا حفّار الحسن، جان أوغاسبيان) يعيشون حالة غيابٍ عن الوعي في هذه الجلسات. «أنا لا أخفي أن الوزير محمّد رحّال تطوّر أداؤه بعد السنة الثانية من عمر الحكومة، لكنّه لا يزال حتى اليوم غير قادر على دخول الجدل السياسي، بل إن دوره يقتصر على كلّ ما يتعلّق بوزارة البيئة»، يقول أحد زملاء رحّال. ويُشير زميل آخر إلى أن مداخلات الوزير حسن منيمنة، «تبدو تكراراً مملّاً لعناوين الصحف، وخصوصاً التي تدور في فلك تيّار المستقبل». وحده وزير الدولة جان أوغاسبيان يُقدّم مداخلات سياسيّة، «لكنّ هذه المداخلات تُعبّر عن وجهة نظر الرئيس فؤاد السنيورة، وهو غالباً ما يقرأ نصوصاً معدّة مسبقاً»، يقول أحد الوزراء، مذكّراً بما حصل في الجلسة التي تلت إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري، عبر جريدة الشرق الأوسط، وجود شهود الزور الذين أساؤوا إلى العلاقة مع سوريا، إذ قال أوغاسبيان «نحن في كتلة المستقبل لا نعتقد بوجود شهود زور»، ما حدا بأحد الوزراء إلى سؤاله عمّا إذا كان هناك تباين بين كتلة المستقبل ورئيس الحكومة.

وحده وزير العمل بطرس حرب يُمثّل الوجهة السياسيّة لفريق تيّار المستقبل، وهو يكاد يكون الممثّل الرسمي لقوى 14 آذار داخل الحكومة. يُقدّم المطالعات القانونيّة والسياسيّة، ويردّ على هذا الوزير أو ذاك. ويتكامل دور الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي مع دور حرب. فبوجي يتدخّل مباشرةً لإبداء رأيه في قانونيّة هذا الأمر أو ذاك، إذا ما كان رأيه يصبّ في خدمة قوى 14 آذار، لكنّه ينتظر أن يسأله رئيس الحكومة أو رئيس الجمهوريّة عن رأيه القانوني، إذا ما كان هذا الرأي يصبّ في خدمة فريق المعارضة السابقة. ويلوذ وزير الإعلام طارق متري بالصمت في أغلب الأوقات.

أمّا وزراء القوّات اللبنانيّة، فإنهم لا يبدون أكثر من شهود داخل الجلسات. شهود حق، أو شهود زور. يلتزمون دائماً بالتصويت إلى جانب رئيس الحكومة ولا يُخالفونه الرأي في أي نقطةٍ على الإطلاق، ولا يتدخّل الوزير إبراهيم نجّار إلّا في ما يخصّ وزارة العدل، فيما يكاد وجود الوزير سليم وردة غير مرئي داخل الجلسة.
بدوره، يسعى وزير حزب الكتائب سليم الصايغ إلى نقل وجهة نظر حزبه، «ويبدو أن علاقته بالنائب سامي الجميّل تتحسّن»، يقول أحد الوزراء مضيفاً: «في الماضي كان الصايغ يُعبّر عن وجهة نظر رئيس حزب الكتائب أمين الجميّل، واليوم يُعبّر عن وجهة نظر سامي الجميّل». ويُشير بعض الوزراء إلى أن الصايغ يُعارض أحياناً رئيس الحكومة، الذي استاء منه كثيراً عند نقاش شراء مواطنين سعوديّين للأراضي في بسكنتا، إذ تكامل الصايغ مع الوزير يوسف سعادة لرفض هذا الأمر.
لكنّ اللوم الأساسي على الصايغ هو كثرة سفره، إذ إنه يغيب عن الجلسات باستمرار، وهو يكاد يفوز بجائزة أكثر وزير يغيب عن الجلسات، أو يغادر للمشاركة في نشاط اجتماعي في منتصفها. وفي إحدى الجلسات، كان الرئيس أمين الجميّل ينتظر أن يجري التصويت على بيع أسهم في إذاعة صوت لبنان، وقد ذهب الصايغ إلى تلك الجلسة حاملاً ملفاً قانونياً أعدّه الكتائب عن عدم قانونيّة هذا البيع، وإذ به يُغادر الجلسة قبل الوصول إلى هذا البند بقليل، لتلبية دعوة عشاء، وقد اتصل به الجميّل سائلاً عن مآل التصويت، فأجابه بأنه غادر، ما دفع رئيس الجمهوريّة الأسبق إلى الاستشاطة غضباً.

وعند الوصول إلى وزراء رئيس الجمهوريّة، يُشير بعض الوزراء إلى أن وزير الداخليّة يتدخّل على نحو رئيسي عندما يصل الأمر إلى وزارته، واللافت أنه «يُستفزّ كثيراً من أي نقدٍ يوجّه إليه في الإعلام. وفي إحدى المرّات أحضر لنا مقالاً كُتب ضدّه في إحدى المجلّات المناطقيّة، طالباً موقفاً من مجلس الوزراء». ويلفت وزراء آخرون إلى أن بارود يسعى دائماً إلى عدم استفزاز أيّ من الفريقيْن السياسيين. أمّا الوزراء الآخرون لرئيس الجمهوريّة، فلا يبدو أن وجودهم في الحكومة ضروري ما عدا التصويت، ويُستثنى وزير الدولة عدنان السيّد حسين من هذا الموضوع، إذ إنه يُشارك في بعض الأوقات في النقاش السياسي.

وبحسب هذه المصادر الوزاريّة، فإن وزير الصحّة محمّد جواد خليفة يُعدّ الناطق الرسمي باسم الرئيس نبيه برّي، في ظلّ مداخلات قليلة جداً لوزيرَي أمل الآخرَين، علي الشامي وعلي عبد الله. ويُضيف أحد الوزراء أنه يظهر بوضوح كيف أن وزير الصناعة ابراهام دده يان، هو تسوية بين جناحي حزب الطاشناق، ما يجعل وجوده في مجلس الوزراء شبيهاً بغالبية الوزراء: «يُستعان به عند التصويت».
أمّا في فريق حزب الله، فيتناوب الوزيران حسين الحاج حسن ومحمّد فنيش على تظهير موقف حزب الله. ويتولّى وزير الطاقة جبران باسيل الموقف السياسي للتيّار الوطني الحرّ، ويُشاركه الوزير يوسف سعادة في تقديم الموقف السياسي لتيّار المردة، الذي غالباً ما يكون متناسقاً مع الموقف العوني ومع موقف جميع أفرقاء المعارضة السابقة، بينما يقود الوزير شربل نحّاس الموقف الاقتصادي لوزراء المعارضة السابقة داخل الحكومة.
يبقى وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي. يُشير بعض الوزراء «القدماء» في الحكومة إلى وجود اختلاف في أداء وزراء الاشتراكي الثلاثة: أكرم شهيّب، وائل أبو فاعور وغازي العريضي. سابقاً، كان وزراء الاشتراكي رأس حربةٍ في الحكومة وفي النقاش السياسي، «وهم يملكون خبرةً ليست قليلة»، يقول أحد الوزراء، لكنّه يُضيف: «منذ أن بدأ النائب وليد جنبلاط بتبديل خياراته السياسيّة، بدأ هؤلاء الوزراء يلوذون بالصمت شيئاً فشيئاً». يقول هذا الوزير جملته هذه، ويذكر بعدها فوراً تحليله لسبب هذا الأمر: «يطلق وليد جنبلاط النار كلّ يوم أكثر من الثاني على قوى 14 آذار، وهو يُصيب رئيس الحكومة بهذه النار من وقتٍ إلى آخر، لذلك يبدو أنه حريص على إبقاء العلاقة مع الحريري بين يديه، ولا يُريد لرئيس الحكومة أن يشعر في لحظة أن وزراءه باتوا في المقلب الآخر، لأن ذلك يعني نهاية حكومة الحريري. لذلك يلتزم هؤلاء الوزراء بالتصويت في معظم الأوقات إلى جانب الحريري، وخصوصاً إذا كان الحريري مصرّاً على أمرٍ ما، في الوقت الذي بات فيه وزراء المعارضة على يقين بأن وجهة وزراء جنبلاط ستكون إلى جانبهم في القضايا المصيريّة».

ويُضيف هذا الوزير أن الوزير غازي العريضي هو أكثر وزراء جنبلاط مداخلةً في الجلسات، وأنه يتحدّث في أغلب الأوقات في القضايا السياسيّة العامّة، «ويُقدّم كلماته بسلاسة وسرعة. من يسمعه يُدرك أنه مفوّه»، يقول أحد الوزراء.
في العاشر من كانون الأول 2009 نالت الحكومة ثقة البرلمان بكامل أعضائها، لكنّ الممارسة داخل الحكومة تُشير إلى أنه ليس جميع الوزراء يستحقون هذه الثقة.