إعادة هيكلة صناعة السيّارات: تألّق كهربائي
تنشأ عن مرحلة الركود التي يمرّ بها الاقتصاد العالمي عمليّة إعادة هيكلة لقطاع صناعة السيّارات في العالم. فالطلب بدأ بالتراجع منذ العام الماضي بسبب أسعار النفط وتراجع ثقة المستهلكين، لكن إجراءات معيّنة تؤدّي إلى توسّع السوق الأوروبي، وإلى تفوّق «Volkswagen» على «Toyota» من حيث المبيعات مثلاً... وطبعاً تألّق السيّارات الكهربائيّة
للشهر الثالث على التوالي تجاوزت مبيعات السيّارات في السوق الصيني تلك المسجّلة في الولايات المتّحدة في آذار الماضي، ووصل عدد الوحدات المبيعة إلى مستوى قياسي بلغ 1.11 مليون سيّارة. وهذه النتيجة تحقّقت رغم تأثير موجة الركود العالميّة على الطلب. فثالث أكبر اقتصاد في العالم وأبرز اقتصاد نامٍ، أضحت إدارته أكثر اعتماداً على السوق الداخلي وتحفيزاً له، عوضاً عن التسليم بالكامل لرياح العرض والطلب العالميّين وتذبذب الصادرات.
فخطّة التحفيز الاقتصادي في البلد الشيوعي التي تبلغ قيمتها 587 مليار دولار تهدف أساساً إلى طمأنة المستهلكين في الأرياف والمدن وتحقيق انطلاق متين بعد العام الجاري الذي يتوقّع تسجيل نموّ الناتج خلاله بنسبة 6.5 في المئة فقط.
توسّع سوق السيّارات الصينيّة ينتج في أحد جوانبه من إعادة الهيكلة التي تخضع لها السوق العالميّة بفعل الركود، والتطوّرات الدراماتيكيّة التي نشأت من الأزمة الماليّة، مثل ما يحدث مع الشركتين الأميركيّتين «General Motors» و«Chrysler» اللتين تواجهان الإفلاس إذا لم تلاقيا المتطلّبات الحكوميّة قبل بداية الصيف.
لكن إلى جانب التطوّر الكمّي، هناك فورة نوعيّة يشهدها البلد الآسيوي على تطوير إنتاج الجيل الجديد من السيّارات محليّاً. فمعرض شانغهاي للسيّارات الذي ينطلق الاثنين المقبل، يتوقّع أن يشهد عرض آليّات «الطاقة الجديدة»، أي تلك السيّارات الهجينة، وتلك المعتمدة على الطاقة الكهربائيّة فقط.
وبكّين جديّة في تطويرها لهذا القطاع المستقبلي، فهي أقرّت إنفاق 1.5 مليار دولار لتحفيز إنتاج سيّارات الطاقة البديلة خلال السنوات الثلاث المقبلة. وهذه الجهود في الشرق لا تمرّ من دون إجراءات ثوريّة غرباً. فقد شهد العالم إطلاق «General Motors» لسيّاراتها النموذجيّة «The P.U.M.A Project» أخيراً لتنافس السيّارات الصغيرة الأخرى التي تغزو المدن.
غير أنّ الإجراءات الثوريّة لـ«GM» تأتي بعدما فقدت المركز الاوّل عالمياً في مبيعات السيّارات لمصلحة «Toyota» اليابانيّة، وفي خضمّ صراعها لترتيب ماليّتها، ما قد يقلّل زخم طموحاتها في المدى المتوسّط بالحدّ الأدنى. خلال هذه الفترة سترتسم إحداثيّات قطاع صناعة السيّارات من منطلق التكيّف مع تداعيات الأزمة الاقتصاديّة ومن ضرورة اللجوء أكثر إلى السيّارات غير الشرهة للوقود.
فالتنافس في سوق السيّارت على أوجه وكلّ يوم تظهر بوادر تغيّرات جذريّة في التشكيلات التي تحكمه. وقد أظهرت النتائج التي أعلنتها «Volkswagen» الألمانيّة أمس، أنّها تفوّقت على «Toyota» من حيث المبيعات خلال الربع الأوّل من العام الجاري، لتصبح الأولى بحسب هذا المعيار عالمياً. لكن لتلك التغيّرات أسبابها الموضوعيّة أساساً.
ففيما الشركة اليابانيّة تعاني كثيراً من انخفاض الطلب على منتجاتها في أسواقها الأساسيّة، حيث انخفض الطلب في الولايات المتّحدة وفي اليابان بنسبة 38 في المئة و24 في المئة على التوالي، تستفيد منافستها من خطط التحفيز التي أقرّتها برلين لدعم الصناعة.
ونتيجة لتلك الإجراءات ارتفعت مبيعات السيّارات في أكبر اقتصاد في القارّة العجوز بنسبة 39.9 في المئة خلال الشهر الماضي، فيما المبيعات الإجماليّة في كلّ أوروبا تراجعت بنسبة 9 في المئة.
وباختصار، فإنّ تلك الإجراءات تقضي بمنح الحكومة المستهلكين 2500 دولار لاستبدال سيّاراتهم القديمة (أقدم من 9 سنوات) بسيّارات جديدة. وتلك التدابير تُتخذ أيضاً في بلدان أخرى مثل فرنسا وإيطاليا، وإن كانت نتائجها أقلّ زخماً.
ويتضح أنّ موجة التدخّل الحكومي لتحفيز قطاع السيّارات على سكك عديدة ترتفع. فقد أعلنت الحكومة البريطانيّة خلال الأسبوع الجاري عن خطط تقضي بمنح أصحاب السيّارات 5 آلاف دولار للتخلّي عن آليّاتهم المستهلكة للوقود وشراء السيّارات الكهربائيّة. وهذه الخطوة يرحّب بها روّاد الصناعة والنقابات على الرغم من أنّ السيّارات الثوريّة لن تغزو صالات العرض قبل عام 2011.
والإجراءات تأتي ضمن خطّة إدارة رئيس الوزراء غوردن براون البالغة قميتها 250 مليون دولار لخفض انبعاث الغازات الحارّة من آليّات المواصلات خلال السنوات الخمس المقبلة. وتقابلها إجراءات مماثلة في فرنسا مثلاً، حيث يوظف قطاع السيّارات 10 في المئة من عمّال البلاد، وطبعاً في الولايات المتّحدة حيث يطمح الرئيس باراك أوباما لإعادة هيكلة شاملة لثقافة البلاد الطاقويّة والبيئيّة، غير أنّ الصعوبات تجعل بلاده متأخّرة في هذا الإطار وتمنح الزخم للأوروبيّين والصينيّين، فنرى المفاجآت التي ستظهر في معرض شانغهاي.
www.al-akhbar.com