ميدان سباق الخيل الروماني إلى لائحة الجرد العام للأبنية التاريخية
بعد عامين من التنقيبات في وادي أبو جميل
ميدان سباق الخيل الروماني إلى لائحة الجرد العام للأبنية التاريخية
اخيرا وبعد طول انتظار، حسمت الدولة امرها وقررت حماية ميدان سباق الخيل الروماني في وادي ابو جميل في سط بيروت كمعلم اثري مهم يتوجب حمايته والحفاظ عليه في موقعه. فقد اصدر وزير الثقافة السابق تمام سلام القرار رقم 63 نشر في العدد 42 من الجريدة الرسمية تاريخ 10/9/2009 وادخل بموجبه العقار رقم 1370 من منطقة الحصن العقارية – محافظة بيروت في لائحة الجرد العام للابنية التاريخية، بناء على كتابين من المدير العام للآثار فريديريك الحسيني تضمنا تقريرا بنتيجة الحفريات الاثرية التي اجريت في الموقع، وتاكيدا على كتاب كان قد وجهه وزير الثقافة الاسبق الدكتور طارق متري الى مالكة العقار شركة "سوليدير" مطالبا فيه ايضا بحفظ المعالم الاثرية المهمة المكتشفة... وحتى اليوم لم يأت اي رد بعد من الشركة.
وبموجب المادة الثانية من القرار "لا يجوز القيام بأي عمل من شأنه تغيير الوضع الحالي للعقار من دون الموافقة المسبقة للمديرية العامة للآثار على الاعمال المنوي اجراؤها والمواد المنوي استعمالها".
ويأتي هذا القرار بعد جدل وأخذ وردّ كبيرين بين وزارة الثقافة - المديرية العامة للآثار من جهة وشركة " سوليدير" من جهة ثانية لم ينته بعد، وبعد حملة اعلامية شارك فيها سياسيون واثريون ومهتمون بالحفاظ على تاريخ بيروت منذ نحو عامين. الا انها لا تزال تنتهج سياسة المماطلة في اعطاء الجواب رغم ان ما كتب قد كتب ولا يمكن العودة عنه.
الحفريات الاثرية التي بدأت في شهر آذار 2007 وامتدت حتى نهاية نيسان 2008 كشفت عن جزء من ميدان سباق الخيل الروماني لمدينة بيروت، واظهرت وجود المعالم الاثرية على كامل مساحة العقار المقدرة بنحو 3500 متر مربع، قام بها فريق مشترك من خبراء الاثار والطلاب من الجامعة اللبنانية وجامعة امستردام برئاسة خبير الاثار الهولندي هانز كورفر وبالتنسيق مع مديرية الاثار باشراف المسؤول عن الحفريات فيها اسعد سيف.
وبنتيجة اعمال التنقيب، كشف عن العناصر المعمارية لميدان السباق الروماني ومعالم اخرى من الحقبة الاغريقية. وتبين ان الميدان يتألف من ثلاثة اقسام تشكل وحدات انشائية مكتملة:
1 – المدرجات، وهي تقع في جهتي الموقع: الجنوبية حيث لا تزال عناصرها التكوينية محفوظة بصورة جيدة، والشمالية حيث عثر على الاساسات التي كانت تقوم عليها هذه المدرجات.
2 - الحلبة وهي المسطح الترابي الذي كانت تجري عليه عربات الاحصنة، ولا تزال في حال حفظ جيدة.
3 - الشوكة الوسطية (Spina) وهي عبارة عن منشأة وسطية على طول الميدان كانت تدور حولها الاحصنة خلال السباقات، تقوم على عرض العقار ولا تزال تحافظ على مدماكها الاساسي بالكامل، اضافة الى مساحة نصف دائرية مرصوفة بالبلاط في طرفها الشرقي تشكل نقطة انعطاف عربات الخيل اثناء السباق.
وينتشر كذلك على ارض المدرجات عدد من اعمدة الغرانيت الرمادي وقواعدها وتيجانها وجدت في مكانها الاصلي وكانت تستعمل كركائز لشاحط من الخشب والقرميد كان يغطي المدرجات، على ما افادنا في حينه الاثري اسعد سيف. وعثر في الموقع ايضا على منشآت من الحقبة الهلنستية يعتقد انها اساسات لبيوت سكنية، اضافة الى مدافن تعود الى نهاية تلك الفترة وبداية الحقبة الرومانية.
ينطوي ميدان سباق الخيل الروماني المكتشف على اهمية تاريخية واثرية كبيرة توازي اهمية مدرسة الحقوق، وعلماء الاثار الذين ينقبون ويبحثون للعثورعلى هذه المدرسة ينتظرون ويعملون في الوقت ذاته لاكتشاف الموقع الذي انشأ فيه الرومان ميدان السباق، وهذا ما حصل اخيراً. ويعتبر ميدان سباق بيروت الروماني الثاني المكتشف في لبنان بعد ميدان صور والخامس في الشرق بعد ميادين القيصرية في فلسطين وجرش في الاردن وبصرى في الشام وصور في الجنوب.
ليست المرة الاولى التي يذكر فيها ميدان سباق الخيل الروماني في بيروت، فقد ورد ذكره في نصوص من القرن الرابع وفي نقوش كانت تتحدث عن السحر والشعوذة التي غالبا ما كان يلجأ اليها الرومان. ففي نص لاحد علماء الجغرافيا من ذلك القرن، وصف فيه مدن آسيا الصغرى والعادات والتقاليد التي كانت تمارس فيها ونشاطاتها الثقافية والرياضية ومن ضمنها حلبات السباق في بيروت واللاذقية وصور وقيصرية فلسطين. وفي كتابها "بيروت عبر العصور"، تذكر المؤرخة نينا جيدجيان انه "في العام 1929 واثناء اقامة اشغال بناء قصر لقنصل اليونان في المكان الذي كان يقوم فيه ميدان سباق الخيل الروماني، اكتشف العمال لوحة من الرصاص بطول 15 سنتيمترا وعرض 10 سنتيمترات موجودة الآن في مستودعات المتحف الوطني، تحمل نصا عن السحر هو الاول الذي يعثر عليه في فينيقيا، ويلقي تهمة الاذى من السحر قبل الفي عام على 35 حصانا جاهزين للركض في ميدان سباق الخيل، وكل حصان منذور للشيطان، ويرفع الخيالة اللون الازرق".
وفي دلالة على العلاقة الوطيدة التي كانت تربط ميدان السباق بالحياة اليومية لاهالي بيريت ورد في كتاب لزخريا احد رؤساء مدارس اللاهوت ان "اكثر ما كان يشتت التلامذة في بيروت كانت سباقات الخيل والمراهنات (...)". وتأكيدا على ذلك تذكر جيدجيان في كتابها ايضا انه "في القرن الرابع قلقت السلطات الدينية من الانجذاب الذي كان يشكله ميدان السباق في بيريت على طلاب مدرسة الحقوق، فالشبيبة كانت تفسدها العاب السبق وممارسات السحر الاسود فتدخلت الكنيسة في الوقت المناسب واعادت النظام واحرقت علانية نصوص الشعوذة والسحر في قلب وسط بيروت البيزنطية (...)".
وتجدر الاشارة الى انه قبل عام 1975، كان قد اكتشف العديد من النصوص والتعويذات العائدة الى ميدان السباق في منطقة وادي ابو جميل. ومنذ ذلك الوقت، يتم التركيز في الحفريات التي تقوم هناك على التأكد من وجوده. ويذكر في هذا الاطار ان حفريات الانقاذ التي جرت في العقار المجاور من الموقع حيث انشىء الفرع الرئيسي لبنك عودة في باب ادريس اواخر التسعينات اظهرت "اساسات مدرجات ميدان سباق الخيل الروماني من دون العثور على حلبة السباق في حينه. لكن عند الوصول الى الصخر الطبيعي وجدت كل المقاطع" على ما قاله الاثري كورفر الذي نقب في الموقع. واضاف: "الان يمكننا اثبات فكرة جان لوفريه بالوقائع ان ميدان سباق الخيل كان في هذه المنطقة وليس في ساحة الشهداء كما كان يعتقد البعض" (من كتاب "وسط بيروت بين الاكتشافات والجرافات").
نقطة اخرى مضيئة تسجلها وزارة الثقافة – المديرية العامة للاثار في سجل الحفاظ على تاريخ بيروت وآثارها، تشكل بادرة مميزة ودفعًا لانطلاقة ثقافية واعدة للحكومة الجديدة.
مي عبود ابي عقل