محميّة حرج إهدن تعاني اليباس وتهددها الحشرات
مطلوب خطة لإنقاذ غابات لبنان من عواقب التغيّرات المناخية
محميّة حرج إهدن تعاني اليباس وتهددها الحشرات
الى ذلك، يعدّ برنامج الأمم المتحدة O.N.D.P. دراسة من النباتات الطبية والعطرة في المحمية وترأس فريق العمل الذي زار المحمية مرات عدة هذا الصيف السيدة مايا عبود، كما شملت الدراسة اهدن والقرى المجاورة بغية الحصول على معلومات من السكان الذين يتعاطون في هذا المجال بغية تنظيم وتطوير عملهم، اضافة الى حماية كل الانواع الموجودة فيها.
كذلك، وضمن مشروع المسار السياحي في منطقة زغرتا الذي يموله الاتحاد الاوروبي لمصلحة اتحاد بلديات القضاء، اعدت الدكتورة نهى غصيني سلسلة مشاريع لتنفيذها في المحمية وأبرزها اقامة مخيم فيها. وجاء في الدراسة المعدة بالفرنسية عن المشروع:
"في إهدن، تتمايز الفصول الأربعة كثيراً، فلكل فصل خصائصه المميزة، وألوانه الخاصة به وايقاعه وعاداته الخاصة به. تاريخياً، أسس سكان اهدن مدينة زغرتا في القرن السادس عشر وقد تحولت مركزاً ادارياً يقصده الناس شتاء نظراً الى برودة اهدن. أما اليوم، فمع توافر وسائل النقل والاتصالات والمواصلات، بدأت اهدن تستقطب الناس والروّاد شتاء لممارسة رياضة التزلج والرياضات الأخرى، وتلبّي رغبات الباحثين والدارسين الراغبين في أماكن هادئة. من هنا ضرورة ايجاد منطقة للتخييم عند مدخل المحمية التي هي الأهم والأبرز في لبنان نظراً الى تنوعها البيولوجي كونها محمية طبيعية".
كذلك يشمل المشروع مراقبة التنوع البيولوجي في المحمية، وحماية الحيوانات والطيور، والوقاية من الحرائق، والافادة من الخشب اليابس لاقامة مشغل يُستفاد من مردوده لتحسين العمل في المحمية.
وأشارت مديرة المحمية المهندسة الزراعية ساندرا كوسا سابا الى أن المشروع الفرنسي يندرج في سياق دعم المخيمات الطبيعية في لبنان، وهو يقسّم الى اربعة اقسام: دعم الادارة والخطة الادارية للمحمية، وبرنامج مراقبة التنوع البيولوجي، دعم السياحة البيئية والنشاطات الاجتماعية والاقتصادية والقيام بحملات توعية. ولفتت الى أن خبراء اميركيين وبريطانيين زاروا المحمية واجروا كشفاً على اشجارها حيث اكدوا ان لا شيء فيها يدعو الى القلق وان لا حشرات فيها، وحتى اذا وجد البعض منها فالعدد قليل جداً والتوازن الطبيعي قادر على منع انتشاره وليس بحاجة الى أي تدخل للمعالجة".
وأشارت الى انه من أجل الاطلاع الدقيق على وضع المحمية، طلب فريق العمل المؤلف من الدكتور نبيل نمر والمهندس ميشال باسيل والاختصاصيتين نانسي عوض وغريس رشيد ومن وزارة البيئة وذلك في مطلع ايلول الماضي، حيث اعد تقرير من المقرر رفعه الى وزارة البيئة والمعنيين في لجنة المحمية جاء فيه:
التقرير الأول:
" - ان الاشجار في محمية حرج اهدن الطبيعية لا تخلو من اصابات الفطريات والحشرات التي طالما كانت عنصراً مهماً في النظام البيئي للمحمية، لكن هذه الاشجار لا تشكو اي وباء فطري يهدّد وجودها. فالاصابات بالحشرات (حشرات المنّ، حشرة الأرز المنشرية، صندل الأرز وغيرها) ضئيلة نسبياً وتبقى تحت سيطرة التوازن الطبيعي المعمول به في الغابة وهي لا تشكل تالياً اي تهديد على الاشجار. ونعني هنا ان هذه الحشرات لا تزال اعدادها محصورة ولا تشكّل وباء يصيب كل المحمية، وهذا الأمر طبيعي في محمية طبيعية كون استعمال المبيدات لا يزال ممنوعاً وتدخل الانسان ضئيل جداً. غالباً ما يكون وراء انتشار او استفحال الحشرات عامل محدّد كاختفاء العدو الطبيعي للحشرة او تغير ما في العوامل الطبيعية وذلك خلال فترة من السنين.
- وجود يباس في اشجار الارز في مناطق محددة من الغابة، يشمل اما الاغصان عندها يكون جزئياً او كامل الشجرة وعندها يكون يباساً كاملاً. وقد تبين لنا ان اليباس محصور في الاماكن التي توجد فيها الشيبيات او الأشن (Lichens) وهي عبارة عن كائنات تعايشية تتكون من ترافق بين الطحالب الخضراء المجهرية او الجراثيم الزرقاء وفطور خيطية. وقد تبين ايضاً أن اشجار الارز الصغيرة مصابة باليباس أكثر من الاشجار الكبيرة والمعمرة. وهذا يعود الى الآتي:
• عدم وجود النور الكافي لهذه الاشجار، وهكذا تكون عملية التمثيل الضوئي (Photosynthesis) التي تحول الطاقة الضوئية طاقة كيميائية على هيئة روابط في المواد السكرية شبه مستحيلة وتؤدي الى يباس هذه الاشجار او الاغصان.
• ان الكثافة المرتفعة للأشجار (الصغيرة والكبيرة) في وحدة المساحة في بعض الاماكن سبب التنافس بين الاشجار، مما أدى الى خلل في نمو الاشجار الصغيرة ويباسها.
• ان الأشن الموجود على الاغصان السفلية او الاشجار الصغيرة الموجودة في الاماكن التي لا يصلها النور يسرع في يباسها، لأن كثافة الأشن على الاغصان التي لا يصلها الضوء يؤدي الى يباسها كون كمية الورق على هذه الاغصان قليلة وكثافة الأشن كبيرة.
ولما كان الموضوع عن وجود أو عدم وجود حشرة السيفالسيا واستفحالها او عدم استفحالها، نود ان نوضح ان يباس الاشجار من جراء حشرة السيفالسيا لا يكون في خلال سنة واحدة بل بعد ثلاث سنوات متتالية من الاصابة بهذه الحشرة بحيث يفقد الغصن او تفقد شجرة الأرز كل أوراقها على مدار السنوات الثلاث مما يتسبب في يباسها او يباس الغصن. اما في حال اصابة الشجرة او الاغصان خلال هذه السنة، يمكننا ان نشاهد إبر اشجار الارز الجديدة يابسة ومنفصلة عن الغصن لأن يرقة حشرة السيفالسيا تكون قد قضمتها عند كعبها. ان ظاهرة وجود اغصان يابسة مع إبرها (أوراقها) ليست دليلاً على وجود حشرة السيفالسيا قطعهاً بل هي دليل لوجود حشرات اخرى كالمن او صندل الارز او نتيجة عدم وصول الضوء الى الغصن.
اما الاقتراحات الموصى بها فهي:
- درس الأشن في الغابة وتحديد اماكن تكاثرها وعلاقتها بيباس الاشجار.
- مراقبة حال الحشرات ومتابعة درس حالات التنوع الحيوي في المحمية.
- درس الغطاء الحرجي في الغابة".
مطلوب خطة
لكل الغابات
وجاء في التقرير الفني عن حال اشجار الارز في حرج اهدن الذي اعده الاختصاصي في علم حشرات اشجار الغابات الدكتور نبيل نمر في تموز الماضي:
"منذ عام 2006 ونحن نراقب حال اشجار الارز ولاسيما بعد اصابة اشجار ارز محمية غابة ارز تنورين الطبيعية وغابة ارز بشري بحشرة السيفالسيا واستفحالها في هاتين الغابتين من جراء العوالم الطبيعية وأهمها التغيير المناخي.
ولما كانت محمية حرج اهدن الطبيعية واقعة جغرافياً في الدائرة الايكولوجية عينها لغابات ارز تنورين وغابة ارز بشري، فقد مسحت هذه الغابة بطريقة اولية لمعرفة اولاً اذا كانت حشرة السيفالسيا موجودة طبيعياً وثانياً لمعرفة مدى تأثير التغيير المناخي على اشجار الأرز.
خلال الاعوام الماضية أي منذ 2006 الى 2008، لم نستطع ان نؤكد وجود حشرة السيفالسيا او عدم وجودها لكننا حددنا المناطق في المحمية التي قد تكون عرضة لاصابة بهذه الحشرة ولاسيما في منطقة الجافية. إن وجود بعض اليباس في هذه المنطقة مصدره اولاً كثافة الاشجار التي سببت يباساً طبيعياً لبعض الاغصان التي لا يصلها النور. اما السبب الثاني فقد يكون مصدره هذه الحشرة لكن الإصابة تعود الى ما قبل عام 2006.
عام 2009 اكدنا وجود حشرة السيفالسيا في المنطقة المذكورة اعلاه. ولكن الاصابة قليلة جداً، وهذا طبيعي هذه السنة اذ ان الثلوج كانت متأخرة فلم تتكاثر الحشرة كما في الاعوام التي تذوب فيها الثلوج باكراً. وهذا الحال كانت أيضاً موجودة في غابات ارز تنورين وبشري هذه السنة.
إن محمية حرج اهدن تتمتع بميزة خاصة وهي انها خليط من الاشجار في معظم انحاء الغابة باستثناء منطقة الجافية، حيث أن اشجار الارز موجودة بنسبة عالية جداً ما يزيد على 80 في المئة من باقي اصناف الاشجار.
ولما كانت حشرة السيفالسيا هي حشرة متخصصة على اشجار الارز فوجودها في هذه المنطقة يكون اكثر من باقي انحاء المحمية حيث انواع اخرى من الاشجار ولا تزيد نسبة اشجار الارز على 60 في المئة وفي بعض انحاء الغابة لا تزيد نسبة اشجار الارز على 10 في المئة. إن تكوين محمية حرج اهدن قد يؤخر استفحال الحشرات المتخصصة وذلك لعدم وجود الموئل على نحو مستمر في المحمية.
أما بالنسبة الى التغيير المناخي الذي يصيب كل الغابات في العالم، فهو واقعة يجب علينا التعامل والتأقلم معها للحد من الاخطار. وقد بدأ منذ أكثر من 15 سنة حيث بدأت معدلات الحرارة سنوياً في العالم ترتفع مصحوبة بحالات قصوى من البرد والحر الشديد والامطار الغزيرة التي تأتي على نحو غير منتظم. إن هذا التدهور المناخي له تأثيراته السلبية على الاشجار في لبنان ولاسيما على بيئة غابات الارز. وكنا قد شاهدنا في الاعوام الماضية ظواهر اليباس على اشجار القيقب واللزاب والارز وغيرها من الاشجار في محمية حرج اهدن، اضافة الى تكاثر بعض الحشرات على القيقب لم تشهده الغابة من قبل، كل ذلك يأتي ضمن التغيير المناخي الذي يؤثر على كل الانواع الحيوانية والنباتية ولا سيما الحشرات التي تعتبر عالمياً من أهم المؤشرات للتغير المناخي. وحتى الآن لم يشكل تكاثر الحشرات في محمية حرج اهدن اي تهديد او خطر على الاشجار في المحمية.
اما الاقتراحات الموصى بها فهي:
- يجب ان تتم متابعة ومراقبة حال الحشرات في المحمية وهي مستمرة.
- يجب اعداد خطة ليس لمحمية حرج اهدن فحسب، بل لكل غابات الاشجار في لبنان للتعامل مع عواقب التغيرات المناخية.
وختمت المهندسة سابا: "نقوم حالياً بحملات توعية في المدارس لاطلاع الطلاب على حرج اهدن وتنظيم رحلات مدرسية الى الحرج، كذلك نشارك في معارض وورش عمل وندوات تدريبية عن السياحة البيئية وذلك لاطلاع الزوار بصورة علميّة على ما يحتويه الحرج. وقد اطلقنا نشاطات عدة ابرزها الممر التثقيفي الذي اقمناه في منطقة معينة من المحمية وهدفه تأمين اجواء للمطالعة والكتابة في المحمية ونتابع العمل من أجل حرج افضل ومتنوع. وقد زار المحمية هذه السنة اكثر من 12 الف زائر بزيادة ملحوظة عن الاعوام الماضية، ونسعى الى استقبال اعداد اكبر في السنة المقبلة.
إهدن – من طوني ج. فرنيجه