البلدية وجاهة أم إدارة
البلدية وجاهة أم إدارة
من المتصرفية إلى اليوم ، لم ينظر إلى البلدية كمؤسسة إدارية لمجتمع بل كانت دوما موقعا لإثبات المكانة والزعامة وحجم التمثيل ، وبعدها بدرجات يأتي التخطيط والبرامج والرؤيا والحث الإداري والإجتماعي.
إنها في معظم الأحيان لعبة ميسر لمجتمع أدمن المراهنة فتراه يجيّش ويحشد الجبب والعائلات والحزب والكيديات وإذا إستطعنا التنصت إلى بعض ما يقال في تلك الحملات سمعنا الكثير من الأنا... والهو ونحن... وهم ...
إن العلّة تكمن في القانون الذي أعطى للبلديّات صلاحيّات لا تتناسب مع ما قد يأتي به الإنتخاب.
فللبلدية دور إنمائي ، فيما القانون لا يمنع من هم أبعد ما يكون عن علم الإنماء في أن يحظو بهذه النعمة .
وللبلدية دور ثقافي ، والقانون يمكن أن يأتي بمن هم في المقلب الآخر من الثقافة.
وللبلدية دور إجتماعي ، والقانون لا يمنع الإبتزاز الإجتماعي من خلال الرشوة والمحسوبية وإستغلال عوز الناس.
فلنبدأ بتحديد دور المجالس البلدية:
- - هل هي مجالس شرف يتبوأها من علا شأنه أو كبر حجمه.
- - أم هي مؤسسة إدارية لإدارة شؤون المجتمع بشكل متطور متقدم وشفاف.
طبعا اليوم ، إنها كاللوتو: إذا وقعنا على مجلس كفوء أخذ البلدية بالإتجاه الثاني ، وإذا وقعنا على مجلس شرف وقعنا على النمط الأول.
لا بد أننا بحاجة للإثنين معا ، حالة الدول بين مجلس الشيوخ ومجلس النّواب ومجلس الوزراء، فنبدأ من التمثيل الشعبي العريض إلى التخصصيّة في التشريع إلى الإحتراف بالتنفيذ، للأمّم شرائح حكم مناطقية تستوعب الجميع وتلبّي الأنا الإنسانيّة والمصلحة العامة.
إن بلد مثل لبنان يدار بواسطة حوالي 964 بلدية، نصفها دون القدرة على توظيف حارس، والربع شبه معطل بسبب الإستقالات والمناكفات، والربع الأخير فقط يعمل على قدر المستطاع.
منذ العام 1977 وحتى اليوم صدرت مراسيم بإنشاء 42 اتحاد بلديات، أو بإضافة بلديات جديدة إلى اتحادات قائمة، بحيث تضم هذه الاتحادات 598 بلدية من مجموع الـ 964 بلدية الموجودة، أي إنها تضم نسبة 62% من البلديات. والمفارقة اللافتة في اتحادات البلديات إن كل بلدية تتمثل في الانتخاب أو التصويت بصوت واحد بمعزل عن حجم هذه البلدية وعدد أعضائها. فالبلدية الكبيرة، التي تضم 21 عضواً تتمثل كما البلدية الصغيرة التي تضم 9 أعضاء. وقد كان اتحاد بلديات كسروان الفتوح أول اتحاد بلديات ينشأ في نهاية العام 1977 ومركزه بلدية ذوق مكايل، ويضم كل بلديات القضاء. أما أخر اتحاد تم إنشاؤه (حتى تاريخ 7 أيار 2010) فكان اتحاد بلديات شرق زحلة ( أنشئ في أيار 2009).
إن ارتفاع عدد البلديات مردّه في جزء كبير إلى مبدأ "فرّق تسد" . فعند أي إختلاف بين قريتين أو عائلتين ،ولاسترضاء الطرفين كان يصار إلى استحداث بلدية أو مختار إضافي، وهكذا حتى أصبح لنا 950 بلدية ل 1468 قرية تقريبا .
بقي الإنتساب إلى إتحادات البلديات إختياري أو إستنسابي حسب الهوى.
الحلّ:
الحل يكمن في اللامركزيّة الإدارية طبعا التي أقرّت في إتفاق الطائف. ولمّا كان الوزير البارود قد تحفظ عن إطلاق ورشة اللامركزية الإدارية بالتزامن مع الإصلاحات في قانون الإنتخاب. كي لا يختلط الحابل بالنابل. ورغم ذلك لدينا بعض التعليقات فيما خص اللامركزية الإدارية المقترحة.
- أن يكون لكل مجموعة سكانية من حوالي 5000 آلاف مواطن مجلس بلدي تمثيلي وفي المدن دائرة كجزء من البلدية الكبرى.
- يخلق مستوى ثان على مستوى القضاء المسمى مجلس قضاء له صلاحيات البلدية المعروفة حاليا وتتمثل في جميع مجالس القرى.
- تنزع صلاحية إصدار رخص البناء من المجالس البلدية وتناط حصرا بالتنظيم المدني لسحب باب التمريرات الإنتفاعية عبر التراخيص العشوائية وتصبح البلدية هيئة مراقبة ومحاسبة ،
-
يبقى العمل في المجالس البلدية تطوعي.أما في مجالس الأقضية ، فالعمل هو وظيفي ومربوط بالإختصاص والكفاءة حيث يقيم مجلس الخدمة المدنية دورات في العمل البلدي ويكون الترشح لمجالس الأقضية حصريا لمن تابع هذه الدورات وحسب درجاته ونتائجه .
- تدار مجالس الأقضية وفق نظام داخلي متطور يحدد المهام والواجبات المرتجات آخذت من التجارب الناجحة في العالم مثالا يحتسب.
- ترتبط هذه المجالس مركزيا بالحكومة اللبنانية عبر مجالس الأقضية والمحافظات ومن ثم عبر وزارة متخصصة بالبلديات مفصولة عن الموضوع الأمني .
- تكون مهمة هذه الوزارة استحداث برامج وطنية تعمم على مجالس الأقضية والمحافظات
إن موضوع اللامركزية الإدارية يجب أن يكون أولوية قصوى بعد أن تخطينا مسألة الإستحقاق الدستوري وتقدمه على الإصلاح . إن النقاش حول مشروع اللامركزية الإدارية سيبدأ حتما بعد جلاء غبار المعارك البلدية وعندها سيكون لكل حادث حديث. إن ما يهمني اليوم هو إعتماد خطة طريق ومعايير للحوار حول هذه اللامركزية المرتجاة لكي يكون النقاش علميا ومنطقيا.
بين التمثيل والإدارة سأستكمل في موضوع الإدارة:
إن العمل الإداري لا يمكن أن يكون تطوعيا ومنّة من أحد، فمن حق المواطن أن يقصد دار البلدية، ضمن ساعات العمل وأن يجد هذا المواطن، الموظف المعني حاضرا لتلبية حقوقه.
على المواطن، أن يتكودر ضمن جمعيات المجتمع البلدي ويكون بمثابة بلدية ظل ، متطوعا عند الحاجة ومحاسبا ومنبها ومراجعا طوال الوقت . فإن دوره لا ينتهي بمجرد إسقاط ورقة الإنتخاب.
التحفيز عبر القوانين حتى الإجبار للتوجه أكثر فأكثر نحو إتحادات البلديات وتجمعات مناطقية ذات منفعة عامة .
إعطاء دور واضح للمجتمع المدني ضمن العمل البلدي يؤمن التواصل بين الإدارة والقاعدة وتفعيل لجان الأحياء.
إعتماد البلدية الإلكترونية كحل عصري لتقاليد نتخبط فيها من سوء إدارة المعاملات إلى البيروقراطية القاتلة إلى التواصل مع القاعدة.
الخروخ من قوقعت الزفت والحيط والجورة إلى العمل البلدي الأوسع. فالرؤيا هي البداية، والإبتكار هو جرأة، والجرأة هي أن تعود البلدية إلى إدارة المجتمع والنهوض بها عبر النهوض بكل مؤسساته: الثقافية والتربوية والإنمائية والسياحية إلخ...
إنها بحق الحكومة المحلية...
بلدتي
المهندس شاكر نون