سعدنايل - تعلبايا ... ليش اللي صار صار ؟؟؟

على طريق شتورا - زحلة في منطقة البقاع الاوسط، تقع بلدتا سعدنايل وتعلبايا اللتان عاشتا احدى اعنف جولات "الحروب الصغيرة" التي اندلعت بعد حوادث ايار الماضي والتي أثقلت ذيولها وتداعياتها الخطيرة من شوارع بيروت الى كل المناطق اللبنانية.

البلدتان متداخلتان على نحو لا يمكن التفريق بينهما، إلا ان هذا التداخل الجغرافي تحوّل في مرحلة سابقة خطوط تماس وناراً في كل الشوارع والمفارق والاحياء ومسرحاً لاشتباكات مسلحة استخدمت فيها كل انواع الاسلحة والعيارات النارية، مما ادى الى مقتل وجرح العشرات من المواطنين الابرياء.

هل صحيح ان تعلبايا كانت تقاتل سعدنايل او العكس؟ وكيف يقوّم الاهالي المرحلة السابقة وواقعهم الحالي؟
يجزم رئيس بلدية تعلبايا فهد بو خليل "ان الفترة الصعبة التي مررنا بها كانت نتيجة تشنّج واحتقان سياسي كبير انعكس بشكل سيئ على اهالينا وشبابنا وادى الى ما ادى اليه من اشتباكات واقتتالات، فالواقع الامني في كل مرة كان ينفجر في سعدنايل وتعلبايا كلما تأزم الوضع السياسي ووصل الى حائط مسدود". وأسف بو خليل لتصوير سعدنايل وتعلبايا وكأنهما جبهات حرب وساحات قتال وعنف وكراهية، في حين ان "الحقيقة مغايرة تماماً لما يشاع ويقال. فالاهالي ومنذ عقود يعيشون جنباً الى جنب في السرّاء والضرّاء، إلا ان الاقدار شاءت ان ندفع الثمن وتنال القرية وجارتها نصيبهما من الاحداث الاخيرة، وكأن احداً يريد ان يشعل البارود بيننا ويعمّق الخلافات الى اقصاها".

في المقابل، يؤكد رئيس بلدية سعدنايل عصام رحيمي العلاقات المتينة بين اهالي البلدتين وان الاشكالات الاخيرة خارجة عن ارادة الجميع "فسعدنايل معروفة بتضامنها مع القضايا العربية ومؤازرتها لمسيرة السيادة والحرية والاستقلال ووفائها للقضية الفلسطينية والمقاومة على السواء، ولم تكن يوماً بلدة تستعمل الخطاب المذهبي المتدني، وهذا ما ينطبق ايضاً على تعلبايا التي تضم كل الطوائف والاحزاب والمشارب، ولهذا ارفض المنطق الذي يقول ان سعدنايل تواجه تعلبايا او العكس، فلا احد يمكن ان يلغي ويمحو العلاقة التاريخية والخبز والملح من قاموسنا".

ويتحدث بو خليل "بعتب" عن الدور السلبي الذي لعبته بعض وسائل الاعلام في تصويرها للإشتباكات البقاعية وكأنها معارك طاحنة بين اهالي القريتين المتجاورتين "فالنقل المباشر والتحليلات والاخبار المغلوطة والمشوشة او المبالغ فيها ساهمت بشكل كبير في تأجيج الصراع وتشويه صورة العيش المشترك والسلم الاهلي الذي كنا نعيشه رغم "ان البعض من تعلبايا وسعدنايل دخلوا في الفخ الكبير وحملوا السلاح وتواجهوا وتراشقوا بالنار ".

وفي هذا الاطار اعتبر "رحيمي ان الاشكالات الفردية بين شاب من هذه الطائفة وآخر من تلك، كان ينتقل كالعدوى الى الشارع ويعمّم على اساس مذهبي او حزبي ليبدأ التقاتل الاعمى المبني على العصبيات"، واضاف ان لا "احقاد بين السنة والشيعة في البقاع"، إلا انه كشف ان "طرفاً ثالثاً من احد الاحزاب استقدم من خارج المنطقة ليقصف البلدة ويشعل الازمة، وبالتالي فهو يتحمل بعض المسؤولية رغم اننا تجاوزنا تلك المرحلة السوداء".

يعتقد المحامي فيصل ابو حمدان ان ما حدث اخيراً من اشتباكات بين سعدنايل واحد أحياء تعلبايا لم يكن نتيجة 7 ايار فقط بل نتيجة المرحلة التي سبقتها ايضاً، "فمنذ صدور القرار 1559 واغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والفترة التي تبعتها شهدت البلاد فترة توتر كبيرة وخطيرة تحولت مناطقية وطائفية فعلت نبرة الخطابات وانقسمت البلاد بين 8 آذار و14 آذار (يعني يا ابيض يا اسود) الى ان وصلنا الى الحوادث الاخيرة فتورّط الحي مع الحي الآخر، والجار وجاره وبات العزف على الوتر السني - الشيعي قاسياً ولهذا تتحمل كل الاطراف المسؤولية وخصوصاً الاحزاب التي شاركت وحملت السلاح"، واصفاً ما جرى بين الاطراف بـ "عرض عضلات لاثبات الوجود".

واعتبر مسؤول كشاف الجرّاح في سعدنايل شادي الاسطا ان الذي حصل في سعدنايل ما كان يجب ان يحصل بأي شكل من الاشكال، مؤكداً "ان تحريضاً خطيراً وقذراً لم يسبق له مثيل مورس خلال الاقتتالات، فالبعض من تعلبايا وصفوا سعدنايل بأنها تل ابيب وقرية مناهضة لمشروع المقاومة وينبغي مهاجمتها، وفي الجهة المقابلة صوّر البعض قرية تعلبايا وبعض احيائها على انها خطر وجودي وبالتالي يجب الدفاع عن العرض والشرف والارض مهما كلّف الامر، فاشتعلت بذلك الغريزة والعصبية الشنيعة والبشعة عند كلا الطرفين، هذا بالاضافة الى التدخلات من خارج القريتين حيث امتلأت الاحياء بالمجموعات المسلحة التي اطلقت النار يميناً ويساراً دون حسيب او رقيب"
.
بدأت الحركة تعود الى شوارع سعدنايل وتعلبايا لكنها ما زالت خجولة وتفتقر الى الحياة الحقيقية حيث ساد الحذر الشديد واجواء الترقّب بين الناس والمواطنين. فأم محمد الجالسة على شرفة منزلها على الطريق العام لتعلبايا تروي لـ"نهار الشباب" خوفها الدائم من امكانية عودة الامور الى الوراء وبالتالي العودة الى دوامة العنف والتطرف المذهبي، وتبدي حسرتها وغضبها من واقع الاحتقان وتقول: "ابنتي الشيعية متزوجة من شاب سني من سعدنايل وهذا حال العشرات والمئات هنا، فكيف يتقاتل المسلمون مع بعضهم البعض وتحت اي عناوين؟، ألا يكفي تعطيل مصالحنا واشغالنا لأكثر من 4 اشهر دون اي هدف او قضية؟". وختمت ام محمد بدمعة على خديها "العودة الى لغة العقل وحدها كفيلة بعودة السلام الى قلوبنا، فلا تحرقوا قلبي".

اكثر من لقاء تصالحي عقد من اجل رأب الصدع بين الاهالي واعادة وصل ما انقطع، منها اللقاء التصالحي الاول الذي عقد في ثكنة ابلح في اشراف مخابرات الجيش اللبناني في البقاع، واللقاء الثاني في تعلبايا الذي نتجت منه لجان المصالحة الميدانية التي عملت حينها على الارض بالاتصال بكل الاطراف وتكريس ميثاق الشرف، بالاضافة الى لجنة التهدئة بعد مقتل الشاب عبدالله العيديوي اثر حادث شخصي اعاد التوتر من جديد وسط وعود بالثأر، وآخرها زيارة النائب سعد الحريري الى منطقة البقاع . إلا ان الجو التصالحي العام الذي ساد البلاد خصوصاً على الصعيد الاسلامي، توّج باللقاء الاخير الذي جمع السيد حسن نصرالله بالنائب الحريري والذي ارخى بظلاله على الساحة اللبنانية بشكل عام وعلى تعلبايا وسعدنايل بشكل خاص. فماذا تحقق؟



هل تعود المياه الى مجاريها؟

رئيس بلدية سعدنايل أمل في عودة العلاقات الى طبيعتها بعد لقاء الحريري - نصرالله وبالتالي عودة العلاقات الطيبة التي توترت في الفترة السابقة، معتبراً انه "لم يعد لأي شخص او حزب او طائفة مصلحة في نشر العنف وممارسة القتل وافتعال المشكلات على امل التعلّم من التجربة الدامية"، مشيراً الى الراحة النفسية التي انعكست ايجاباً على المواطنين في كل ارجاء الوطن. "فالشعب اللبناني اعتاد ان يفتح صفحة جديدة ويزيح في كل مرة غيمة الصيف العابرة رغم بشاعتها".

وفي الاطار نفسه اعتبر بو خليل ان اللقاء كان يجب ان يعقد قبل هذه الفترة ليبدد كل الخوف والحذر في المنطقة، "إلا اننا نبارك اي خطوة للمصالحة والتلاقي والتحاور، فاللقاء الاخير اكّد ان لا امكانية لأحد في هذا البلد ان يسيطر على الآخر ولهذا علينا ان نزداد اصراراً وتمسّكاً بالسلم الاهلي وان لا نستسلم لأي فتنة كي نبعد عنّا الكأس المرّة".

"على رغم الاجواء الايجابية السائدة حالياً والتي اطفأت نار الفتنة، الا ان بعض النفوس لا تزال مشحونة ومتوترة من كلا الطرفين"، هذا ما يقوله الاسطا الذي وصف اللقاء الاخير بين "المستقبل" و"حزب الله" بأنه هدنة موقتة "متمنياً ان تطول وان تتحول مصالحة حقيقية وصولاً الى تبييض القلوب وتصفية النيات. أما المحامي ابو حمدان فوضع اللقاء في خانة "المناسبة الكبرى التي طال انتظارها والتي أراحت الناس في سعدنايل كما تعلبايا.



بعضهم بالسلاح... والآخر بالحوار

صداقات، علاقات، سهرات واخوّة تجمع بين شباب البلدتين من السنة والشيعة والمسيحيين، ولكن حوادث ايار الاخيرة اثرت دون شك على مستوى هذه العلاقة، فبعضهم حمل السلاح وقاتل دون خجل "على الجبهة "بداعي الدفاع عن النفس، واعرب البعض الآخر عن الندم لحمله السلاح والانزلاق نحو التقاتل والحقد، فيما فضّل آخرون الوقوف على الحياد وعدم التدخل او زج انفسهم في صراع دموي لا نهاية له.

اكد الشاب قاسم رحيمي (22 سنة) العلاقات الممتازة والمستمرة مع "علي وحسين وزهراء"، "فهناك رفقة عمر تجمعنا ولا خلافات بيننا على رغم بعض النقاشات التي تتخذ طابعاً حاداً أحياناً كثيرة ". ويرى قاسم ان المصالحة الاخيرة شكلت صمام الامان "حتى ما يرجع حدا يفتح على حسابو" ولكنه أسف للطريقة التي تتم فيها معالجة الامور "فإذا تصالح الكبار مشى الصغار واذا اختلفوا يعود الشعب من جديد الى المتاريس وتبادل النار".

ورفض احمد ابو حمدان (25 سنة) العنف والانجرار وراء العصبيات، "شباب سعدنايل اصدقاء واخوة بكل معنى الكلمة وقد طوينا الصفحة السوداء مع الجميع، إلا ان هناك احقاداً مذهبية ما زالت حتى اليوم وانا ارفضها". واضاف "للأسف الكل يركض وراء مذهبه دون اي شيء آخر، واعتقد انه اذا تصالح الكبار واتفقوا على كل شيء يتصالح الشعب وتعود المياه الى مجاريها".

وفضل انطوان (21 سنة) من تعلبايا البقاء على الحياد وعدم الدخول في المتاهات الامنية الخطيرة لأن الذي جرى "هو تدمير لارادة الشباب في العيش معاً واعادة عقارب الساعة الى الوراء كي تعود الحروب ويعود التهجير. وانا كمسيحي من تعلبايا لديه رأيه السياسي من المستجدات الحاصلة اليوم لن ادخل في اي نزاع مسلّح من شأنه ان يهدد وجودي ومستقبلي"، مشيراً بصراحة الى ان الصراع الاخير بين سعدنايل واحد احياء تعلبايا "هو صراع سني - شيعي خطير".

وأطلق محمد فايز رحيمي (مستقل)، صرخة الى كل مسؤول ومواطن (ومنهم السيد حسن نصرالله والنائب سعد الحريري والرئيس نبيه بري) ناشدهم فيها ضرورة التوقف عن توتير الاوضاع واستكمال اللقاء الاخير بين نصرالله –الحريري بلقاءات ومصالحات شعبية اخرى "لأن الناس لم تعد تحتمل المشاكل والضغوط اليومية لأننا نريد ان نعيش بكرامة وسلام وامن بكل بساطة"، مضيفاً بغضب "انا اليوم انتظر على ابواب السفارات هنا وهناك كي اغادر لبنان في اقرب وقت ممكن لأني بصراحة مللت الواقع الطائفي والمعيشي وارفض ان اكون مجرد تابع لا اكثر ولا اقل".

اما ع. أ فكشف لـ"نهار الشباب" انه حمل السلاح حينها واطلق النار من رشاشه باتجاه "الحي الشيعي" في تعلبايا، لأنه اراد ان يدافع عن نفسه ويمنع التعدي على اهله في سعدنايل وكرامتهم و"رسم خط احمر بوجههم لأن ما حصل في بيروت والشمال لا يغتفر ولن نسمح بتكراره".

في المقابل اكتفى ب. أ بالقول علناً انه من الذين شاركوا في الاشتباكات الاخيرة ضد سعدنايل "لأن قوى السلطة والموالاة حينها كانت تريد الانقضاض على القرار والغاء المقاومة ومشروعها ".

بينما حاول محمد الحمصي مسؤول الكشاف المسلم في سعدنايل المساهمة في تقريب وجهات النظر بين الافرقاء والمساعدة في الاسعافات والامور الطبية خلال الاشتباكات.

وبعد اسبوع على المصارحة بين نصرالله - الحريري التي ساهمت بشكل كبير بتنفيس الاحتقان الى ادنى مستوياته، عادت الحركة الى تعلبايا وسعدنايل، وعاد الاهالي ليستعيدوا الثقة ويكسروا الجليد في ما بينهم مؤكدين ان ما حدث بات من الماضي على رغم بعض النفوس المشحونة.

وعلى احدى الشرفات في تعلبايا، ما تزال الحاجة ام محمد جالسة كالعادة ترتشف القهوة بهدوء. عدنا اليها بعد ايام من زيارتنا الاولى لنسألها رأيها عن الوضع اليوم بين الافرقاء في البلدتين، فابتسمت مغتبطة وفرحة وقالت: "رجعوا الاخوة اتفقوا وتصالحوا. الله يهدّي البال ويوعّي الشعب والزعما، وانشالله ما تتكرر وما تنعاد".

سلمان العنداري
(مندوب)

http://www.naharashabab.com/Headline-ar-highlights.php?ID=2336