Baldati

Destination:

تنص المادة ٩٥ من الدستور اللبناني والمعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 9/11/1943 وبالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990 على أن مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية.

مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.

أتت هذه المادة كمحصلة لحربٍ أهلية مزقت أوصال الوطن، وللاسف اتسمت هذه لحرب بطابع ديني وفئوي طائفي حيث دمر اللبنانيون،المتخاصمون –المتفقون، بلدهم و حولوا خصائص مجتمعهم الغني والمتنوع إلى عوامل تقاتل و تنافر.

إنطلاقاً من هنا أتى طرح إلغاء الطائفية السياسية كمحاولة لإبعاد كل ما هو طائفي وديني عن مؤسسات الدولة و نشاطاتها في مختلف المجلات والميادين بالإضافة إلى إلغاء المحاصصة والتوزيع الطائفي للمناصب والمسؤوليات.

ولكن هل تكفي مادةٍ واحدة في الدستور والتي حتى الأن ليس لديها أي أمل في التطبيق في معالجة مشاكل و معضلات التركيبة الطائفية للمجتمع اللبناني؟ وهل "السياسة الدينية" هي الوسيلة الأسمى للمواطن اللبناني  ليحقق ذاته ومواطنيته و بالتالي ليساهم في إرتقاء مجتمعه ومن ثم دولته؟

برأي، الحل الأفضل في مجتمع ذات تركيبة طائفية أو دينية وخاصةً إن كنا نعيش في ظلّ ديمقراطية توافقية اساسها التوزيع والمحاصصة  الطائفية كالنظام اللبناني،هو "العلمنة".

العلمنة تعني و ببساطة شديدة حرية الاختيار في الشأن الديني علي المستوي الفردي.. والفصل بين المؤسسات  الدينية والمؤسسات الدنيوية في الشأن العام.

وإذا اردنا إسقاط هذا المفهوم على أرض الواقع، فيعني إبعاد و تحييد كل ما له علاقة بلأديان السماوية و الطوائف الدينية  عن مؤسسات و نشاطات وأجهزة الدولة كافةً، بالإضافة إلى الجمعيات و المنظمات المدنية وغير الحكومية و تمكينها من ممارسات مهامها ووظائفها المتعددة و الحيوية.

والعلمنة في مجتمع كالمجتمع اللبناني هي أكثر من ضرورية، وأكثر من حاجة لسماحة دينية إسلامية - مسيحية داعمة، لأنها ببساطة تسهم في انتقال مجتمعنا من التفتت إلى التناظم، فالتماسك. وهي لا تستبعد الدين.. على العكس، إنها تعزز من دوره كإيمان وأخلاق، وحسن معاملات حرة، وتحول دون استنفار العصبيات المواجهة ضده، أنىّ كانت، ومن أي جهة انطلقت، وعلى المؤمنين الأصليين الحقيقيين أن يكونوا هم في طليعة دعاة العلمنة في لبنان اليوم.

كما أن العلمنة تعزز من دور المجتمع المدني، وحراك ممثليه، وهيئاته جميعا على الأرض، وهي ضمانة فعلية لحقوق الإنسان وكفاءاته، لأن تشريعاتها تنص على عدم التمييز بين الناس على أساس الدين والمذهب، تماماً كتركيزها على عدم التفرقة، أو التمييز بين الناس على أساس العرق واللون وبالتالي إنها الطريق الأصلح لنشوء وطن يملك قاعدة قانونية واحدة موحدة إستناداً الى المساواة والحرية وشرعة حقوق الإنسان.

ومن هنا، ضرورة تفعيل القدرات الكامنة لدى الشعب اللبناني، وتحرير طاقة الفعل لديه، بعد رصد امكانات ايجابية شتى كامنة في المجتمع اللبناني، تمتلك القدرة على الفعل والتأثير، فيما لو أزيلت العواقب الطائفية التي تمارس الكابح، وأحياناً المعطل لأي مشروع تغيير.

وإذا كانت قضية حكامنا وزعمائنا والذين يصنفون "مسؤولين" قراءة الماضي، فهدف وقضية العلمنة هي صياغة المستقبل.

 

شادي الطحان   ref: www.alalmana.com