منصور الرحباني....

منصور الرحباني....

 

يا طير وآخد معك لون الشجر... ما عاد في الا النطرة و الضجر.. .بنطر بعين الشمس عبرد الحجر... وملبكي و إيد الفراق تهدني يا طير... وحياة ريشاتك و إيامي سوا... وحياة زهر الشوك وهبوب الهوا... ان كنّك لَعِنْدُنْ رايِحْ وجنّْ
 

 

الهوا خدني وْلَنّو شي دقيقة وْرِدّني يا طير...
وهل تنساب كلمات لوداع العملاق منصور سواها.... أعمال مشغولة بأصابع الأخوين عاصي ومنصور...
الأخوين الرحباني غادرا عالمنا ليغردا من الأعالي ويملآ السماء زغاريد رحبانية...

اسمي منصور حنا رحباني
الثالوث الرحباني تصدّع وبقيت فيروز الحزينة ترثي بصوتها اللؤلؤي، عملاقان سيفتقدهما المسرح والموسيقى، الشرق والغرب اللحن والكلمة وبالأخص سيفتقدهما لبنان... هما من تغزّلا به بالصوت الفيروزي قائلين: "لبنان يا أخضر حلو عتلال... يا حكاية القلب وحنين البال... يا نجوم سهراني و كروم حلياني... يا حقول ملياني وْدِنْيِة جَنا وْغْلال..."
بعد ثلاث وعشرين عاما لحق المارد منصور العملاق عاصي الى الصمت الأبدي... منصور الرحباني غادرنا عن أربع وثمانين عاما (1925-2009) تاركا إرثا موسيقياً هائلاً كان قد بناه وعاصي الذي تركه في منتصف الطريق ليكمل المسيرة حاملا شعلة الابداع والتألق الرحبانية... التي انطفأت في بداية العام 2009 دون سابق انذار.
"اسمي منصور حنا الرحباني مولود عام 1925 في انطلياس-لبنان، عشت في مناخ فني وتابعت دروسي بين مدرسة عبرين في انطلياس ومدرسة فريد ابو فاضل ومدرسة كمال مكرزل ومدرسة اليسوعية في بكفيا. وبعد وفاة والدي اضطررت باكراً الى خوض معترك الحياة الصعبة فدخلت سلك «بوليس بيروت العدلي» في عمر السابعة عشرة"... هكذا يعرف الغائب الكبير بنفسه. ومن المخول اليوم بالتعريف بمنصور الرحباني سواه؟!.
الإعداد الموسيقي الأول تلقاه منصور على يد الأب «بولس الاشقر» في انطلياس، فتلقى الموسيقى الشرقية والنوطة واصول الانغام واطلع على المراجع النادرة في الموسيقى الشرقية مثل كتاب «كامل الخلعي» ومؤلفات الكندي والفارابي و«الرسالة الشهابية» في قواعد ألحان الموسيقى العربية. ومن ثم درس على يد الأستاذ «برتران روبيار» لتسع سنوات، وهي كانت بطاقة المرور الى موهبة غيّرت واقع الموسيقى والأغنية في الشرق بحسب تعبير الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب.
بدايات "الأخوين الرحباني" كانت في الاذاعة اللبنانية سنة 1945 حيث قدما الكثير من الاعمال الفنية منها "الاسكتشات" التي عرفت تحت اسم «سبع وفحّول» ومن ثم اقترن عاصي بنهاد حداد التي عرفت لاحقاً باسم فيروز وكان ذلك سنة 1955، وأصبح الثلاثة: عاصي وفيروز ومنصور الثالوث الرحباني الجديد.
وعن الموسيقى الرحبانية كان يقول منصور:"استوحينا موسيقانا من التراث العربي الاسلامي الماروني البيزنطي والفولكلور اللبناني وكلها تيارات شرقية. كذلك تعمقنا في الدراسة الموسيقية الكلاسيكية الغربية. نحن ابناء هذه الارض، تأثرنا بترابها وعبق أريجها تأثرنا بجدتنا التي كانت تعرف كل عادات لبنان، وهي امرأة أميّة، كانت تخبرنا عن كل شيء، وتزرع فينا دفء الحكاية وإيقاعات الحياة، تأثرنا بكل شيء، بالمحيط الذي عشناه، تأثرنا بتاريخنا.
بالنسبة للموسيقى والغناء، كنا في بداياتنا نستمع الى كثيرين، امثال: سيد درويش، أم كلثوم، محمد عبدالوهاب.. وغيرهم، تفاعلنا مع هؤلاء، ولا ننسى ان الأب بولس الاشقر علمنا الموسيقى الشرقية، والاهم من ذلك، اننا نعيش في منطقة غنيّة بالأعمال الموسيقية، مثل: الموسيقى الاسلامية والتركية والبيزنطية وعلوم الموسيقى الغربية وعلم التأليف، كل هذا شكل خزاناً كبيراً غرفنا منه وتفاعلنا معه، لكننا لم نقع في التقليد، لم نذهب شرقاً ولا غرباً، اعطينا (الاخوين رحباني)، كنا نحن، لا أحد يشبهنا أو نشبهه".
وبتواضع العمالقة كان منصور يقول: "نحن الذين فعلنا كل شيء، غيرنا وطورنا وجددنا في الغناء وفي الموسيقى. كانت اللغة الشعرية «سريعة العطب». وكأن العاطفة هي بكاء وعويل، جئنا نحن وغيرنا ذلك، قلبنا الصورة وزرعنا الموسيقى التي تبهج النفس، فقبلنا الناس بلهفة".
من المحيط الى الخليج كلهم تأثروا بالرحابنة، ان كان في الغناء او الموسيقى او الشعر فموسيقانا لا يستطيع أن يتجاوزها أحد، من اليوم وحتى بعد 70 سنة، لا يمكن لأحد أن يتجاوز الرحابنة، وأعمالنا أهم من الاوبرا، وهي خاطبت الروح الانسانية"... وقائع سردها منصور قبل أن يغيب... فهل غُيّب منصور أو غاب بارادته... وهنا يكمن السؤال، إذ في ديوانه الأخير "أنا الغريب الآخر" تشيع نغمة رومانسية حزينة، فعبارات الغربة والغريب والحزن والذبول والوقت وهواجس الزوال وهموم النهايات عبارات تتردّد في أكثر قصائد الديوان لكن هذه النغمة الرومانسية الحزينة لم تبلغ حدّ التشاؤم الأسود الذي وقع فيه الشعراء الكبار ولكنّها تلامس عند منصور التشاؤم الأبيض ومن ملامحه الأساسية الإيمان بحتمية الزوال لأنه آت لا ريب فيه... وكأنه كان يعرف اقتراب الساعة... فهو غاب ولم يغيّب... وعن المسرح الرحباني قال منصور: "لا شك ان المسرح الغنائي اللبناني الرحباني هو نوع مغاير للاوبرا العالمية او للاوبريت السهلة، هو نوع خاص عرف بالمسرح الرحباني على نبالته وصدقه ورهافته وعمق موضوعاته الانسانية والفلسفية والطليعية. فالمسرح الرحباني انطلق من المسلّمات الثلاثة التالية: الله، الانسان، الارض. لقد شكل مسرحنا حداثة من خلال العودة الى الينابيع.
من مسرح البيكادللي في بيروت انطلق هذا المسرح الرحباني الى سائر الاقطار العربية بطابع فريد مميز في نوعه وشخصيته المنبثقة من ذاتها، ومن التراب اللبناني غير متأثر بالتيارات المحيطة. تجربة الرحابنة اثّرت جلياً في المناخ الثقافي والفني والاجتماعي، وقدمت عن أعمالنا اطروحات عديدة ودراسات متنوعة، مسرحاً وشعراً ولحناً وتجدداً في اكبر جامعات العالم مثل: السوربون وهارفرد واكسفورد والجامعات العربية واللبنانية".
غاب منصور تاركا الساحة لما يعرف بـ"الرحابنة الجدد" وهو من قال عنهم ذات يوم: "انا على ثقة ان جيل الرحابنة الجدد يخطو بثقة الى الامام، وقدموا أعمالاً ناجحة، وأنا فخور بهم وأود القول هنا، لا توجد وراثة في الفن. فالذي ساعد في انطلاق الجيل الجديد هو التوجه والتوجيه الذي رسمناه لهم، وهذا أرسى قواعد هامة لانطلاقتهم، بشارة الخوري (ابن اختي) أكبر مؤلف موسيقي في اوروبا. والقاسم المشترك، بالإضافة الى الاسم، انهم تربّوا في المحيط الرحباني وفيما بعد رسم كل منهم طريقاً لنفسه وأسس شخصية مميزة، ولو أرادوا أن يقلدوا والدهم وعمّهم لفقدوا مبرر وجودهم فنياً، المفروض بالانسان ان يتشبّع من محيطه ويتزود بالعلم، واذا كان يملك الموهبة فانه يؤسس لنفسه شخصية جديدة مستقلة وهذه الامور لم تكن خافية على الشباب، وهكذا اتجهوا نحو الاستقلالية الفنية".

"عودة الفينيق"
"عودة الفينيق" آخر العنقود... مسرحية كتبها منصور "نابشا" التاريخ، ليكتب قصة عن مملكة جبيل التي أثارت مطامع الامبراطوريتين الفرعونية والحثّية، وأسست مقاومة شعبية بقيادة "الثائر مجدو" للانقلاب على الجميع. عمل مفخخ أراد كاتبه أن ينتقد الحاضر ففضل العودة الى الماضي والتلويح بكارثة. "عودة الفينيق"، عودة الى الجذور الى مرابع الحب والجمال والمبادئ الانسانية البسيطة في وجه تسلّط الدولة والحكام. "عودة الفينيق" آخر الابداعات الرحبانية ومن لا يموت فضولا اليوم ليعرف ما خبّأ العملاق منصور كمسك للختام....
أعمال منصور الرحباني منفردًا! بعد غياب عاصي

المسرح:
- 1988: «صيف 1840»
- 1994 : «الوصية»
- 1998 : «آخر أيام سقراط»
- 1998: «انطولوجيا رحبانية»
- 2000 : «وقام في اليوم الثالث»
- 2001 : «ابوالطيب المتنبي»
- 2003 : «ملوك الطوائف»
- 2004 : «آخر يوم»
- 2004 : «حكم الرعيان»
- 2005 : «جبران والنبي»
- 2006 : «زنوبيا»
2008 : «عودة الفينيق»

الموسيقى:
2000 : «القداس الالهي»: (كنيسة مارالياس- انطلياس).
عدد كبير من الاغاني والالحان والمؤلفات الموسيقية.

التلفزيون:
- 1988: «منصور الرحباني يقرأ» 31 حلقة من ابرز الشعراء العرب بإلقاء منصور الرحباني.
- 1997: «محطات» 31 حلقة منوعات غنائية.

الشعر:
- «انا الغريب الآخر» (ديوان شعر).
- «أسافر وحدي ملكا» (ديوان شعر).
- وعدد كبير من المحاضرات عن الفن والشعر والموسيقى في دول عربية ومقالات فنية عن تجربة الرحابنة